بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
مما أنعمه الله على هذا العبد الضعيف عقل وفكر يستنير بهما
في دروب الحياة
ويميز بين الحق والباطل ، وبين الضار والنافع ، وبين الخير والشر
وجعلهما محلاً للجزاء والعقاب ،والثناء والذم
بواسطتهما يخطط لمستقبل حياته
ويستعين بهما لتنوير الأمة طريقها ، والنهوض
وبجبلهما يساهم في إنقاذ
من تاه مع الأمواج إلى بر الأمان .
ولهذا أثنى الله على أولي الألباب السليمة ، وأصحاب العقول النيرة
وحث سبحانه على التفكر والتدبر
قوله تعالى
{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ}
وبالعقل إما أن يرتفع إلى أعلى عليين ، أو أن ينحط إلى أسفل سافلين
والعقل السليم الذي يكون به نجاة المرء في الدارين
من استقاء نوره من نور الله
على ظهر التسليم والاستسلام .
قال ابن القيم : فهذا نور الفطرة على نور الوحي
وهذا حال القلب الحي الواعي
فصاحب القلب يجمع بين قلبه وبين معاني القرآن ، فيجدها كأنها
قد كتبت فيه ، فهو يقرأها
عن ظهر قلب
ومن الناس من يحتاج إلى شاهد
يميز له بين الحق والباطل
قال يحيى بن معاذ : من عرف نفسه عرف ربه .
وحكي أن بعض الحكماء كتب على باب بيته
إنه لن ينتفع بحكمتنا إلا من عرف نفسه ، ووقف بها عند قدرها
فمن كان كذلك فليدخل و إلا فليرجع حتى يكون بهذه الصفة .
ومع عبقرية هذه العقول إلا أن العجز يرد عليها
فلها منتهى محدداً تقف عنده
فإذا تعدده نتج عنه التيه والضلال ، والتخبط والحيرة
فلهذا صار العقل السليم والقلب السليم بينهما تلازم واتصال
فمتى وجد أحدهما وجد الآخر وبانعدام أحدهما انعدام الكل .
ومما يزيد التفكير تفكيراً والوعي وعياً العلم ورقي الذات
مع العمل والإخلاص معاً ، ولو نفع العلم بلا عمل لما ذم الله
أحبار أهل الكتاب ، ولو نفع العمل بلا إخلاص لما ذم الله المنافقين .
ولا يمكن أن يكون تفكيره صافياً
إلا بعدما يكون بعيداً عن المؤثرات التي تجنح بالتفكير
عن جادة الصواب ؛ وخلوه من العوائق التي تعوقه
عن قول الحق وقبوله كالكبر ، والحسد وأتباع الهوى
وتحكيم العقل وتقديمه على النص الشرعي ، وحب الدنيا وشهواتها
لأن قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضده
فإذا كان وعاء الفكر ممتلئاً بسلبيات وأخلاق يترفع
عنها صاحب الفكر السوي
ومتى ما كان الوعاء يحتوي على نور من الله ، ومشكاة من النبوة ومنهجاً من الرعيل الأول وسالماً من الشبهات
أصبح صاحبه عنصر بناء في مجتمعه ، لا معول هدم
واستفادة منه الأمة خير إفادة
وأثمر أضاءت تستنير بها الأمة جيلاً بعد جيل .
والعكس بالعكس
لأن كل إناء بما فيه ينضح .
ومتى ما سلك المرء طريق هذه الأدبيات والمقومات
التي تنتهي بالمرء أن يكون صاحب عقل سليم ليس بحاجة للمقولة الشهيرة
(العقل السليم ، بالجسم السليم )
وغير كاف في اتصاف المرء بالذكاء الخارق والفهم الثاقب
والعقلية الفذة
نجاحه في الحياة الدنيا وسلامة منهجه وطرحه ونجاة في الآخرة
فلا بد مع الذكاء زكاة النفس بإيمان بالله
ومتابعة رسوله ، وتزكيتها بالعلم الصافي ، والعمل الخالص
مع الاتصاف بأدبيات العقلية السليمة ومقوماتها
قال الله عز وجل
{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}
تحذير
من أن يتمكن الشيطان من بيت أفكارك وإرادتك ، فإنه يفسدها عليك
فساداً يصعب تداركه وينفذ إليك وساوسه وأفكاره المضرة
ويحول بينك وبين التفكر فيما ينفعك في الدارين .
مواقع النشر (المفضلة)