الجزء 14
للحياة شجون، وللقلب عيون، تدمع عندما يحل الليل، تتساقط الدمعات على جمرة الفؤاد، فتلتهب نيران الألم والغيرة،
تـــقــول:
لماذا هذا الرجل لا يرى عيني، لماذا لا يشعر بوجودي،
وقفت قرب نافذة غرفتي المطلة على البعيد، أتأمل عينيك، الغائبة خلف الغيوب..
(أنت أيه) أغنية نانسي عجرم تتسرب إلى غرفتي، من تلفزيون الصالون ... أستشعر الألم في أجزاء من جسدي، وقطرات دمعي تتساقط غزيرا على ثوبي، ..........
أمسكت طرف النافذة خوفا من السقوط من شدة الإعياء، كنت قد قضيت ساعتين متواصلتين أبكي بلا انقطاع، وكأنك يا صديقتي قد أعطيتني تصريحا بالبكاء، وكأن البكاء كان يختبئ في قلبي حبيسا في انتظار من يطلق سراحه،
كان يندفع خارجا، كشلال من التعب، ذلك الألم المتراكم لسنوات، كنت دائما أخاف البكاء، فلا يجوز أن يعلم أني أبكي لأجله، ......... (أنت أيه)، ...... ليتها تكف عن الغناء هذه اللحظات، فكلماتها تنتزع المزيد من الألم في داخلي، وكأن الألم خلايا تتوالد لا تتوقف عن التكاثر، ........
اختبأت مشاعري خوفا من غضبي، وانهالت دمعات جديدة، والقلب الغائم، يهوي كورقة الخوف في شتاء مر حزين، ....... سنوات الألم متى ستنتهي،
وجدتك قربي، عينيك، كلماتك، وكأنك تمدين يديك إلي فتمسحين على رأسي بحب وحنان، وكأنك أمي تضميني إلى صدرك فأغفو كطفلة صغيرة، وجدتك قربي .... ولم تكوني قربي، عيناي تسافران خلف الربوة هناك، حيث قمر الليلة يراقبني بدهشه، وحيث النجمات تلاشت، ......
الذنب، أي ذنب ذلك الذي اقترفته، لأعاني حبك الجارح..................
لم أسمع صوت سيارته تتوقف في المرآب، لكني رأيت أضواء اشتعلت هناك ثم انطفأت، وكنت أنظر بسرعة إلى وجهي الباكي في صفحة النافذة الزجاجية، لأمسح دموعي، لكني تذكرتك، لم لا يعلم أني أعاني، لم لا يعلم كم أتألم،
كان شعري ينساب باكيا معي، نائما في حزن على كتفي، ولأول مرة أرى شفتي بهذا الجمال، ربما لأني أخيرا تمكنت من استعادة ذاتي، معك، صديقتي،
كنت أتابع خطواته على درجات السلم، .... يصعد إلى أعلى، ولازالت نانسي تغني (أنت أيه)، .... وفاض المزيد من الدمع مع شعوري بقربه، دخل الغرفة واتجه إلى الشماعة علق ثيابه، كما يعلق حياتي طوال تلك السنوات، وهم بالخرج من غرفتي، لكن شهقات الألم ودموعي اللامعة عبر الزجاج، استوقفته، ولأول مرة كان يرى ......... انهياري منذ سنوات زواجنا الأولى،
- ما بك........
واقترب مني بخوف، ورفع يده إلى كتفي، وأمسك بي برفق.. : لم كل هذه الدموع..؟
- لا شيء.....
- إن كان على ماحدث، فلم أقصد أن أدفعك، قمت باستفزازي، وحدث ما حدث.....
فنظرت له في عينيه، ..... وكنت لا أراه جيدا، نظراتي غارقة حتى الثمالة في بحر من الدموع الساخنة، نظرت له بصدق، لأول مرة أنظر في عينيه منذ سنوات طويلة، وقلت بصوت بمحوح: إلى متى .......؟؟
- إلى متى ماذا.......؟؟
- إلى متى ستعلقني في حياتك، وإلى متى سأبقى على الرف، إلى متى ستستمر في تجاهل مشاعري، وإلى متى ستستمر في قتلي........
- عدنا للحديث ..
- نعم عدنا، لكن هذه المرة أهددك، بأني ما عدت أحتمل، وسأبحث لي عن حبيب يعوضني الحب الذي حرمتني منه.....
- ما هذا الكلام الذي تقولينه، ألا تستحين، ..
- لا أستحي، لم أعد أستحي، وهل أستحي من قول ما علمتني إياه ينفسك،
- ماذا علمتك أنا ، ..... الصياعة،
- بل الحرمان الذي يدفعني رغما عني إلى الإنحراف، إني محتاجة إليك، .....
- وهل قصرت معك في شي.
- تحب غيري.......
- لا أحب أحدا
-بل تحبها،.................................... تعبت، تعبت كثيرا ( وانهرت على الكرسي) لم أعد أحتمل، ..... كل هذا لماذا ..؟؟، هل لأني قبلت الزواج بك، وأنت لا تريدني، .... ألم تحبني حتى اليوم، ألن تحبني مطلقا ...؟؟؟، ماذا ينقصني، ..... تعبت، فقدت كل أمل في أن أكسب قلبك، وكلما أخفقت كلما يأست، .... وفقدت أجمل حلم في حياتي، حب الرجل الوحيد الذي أحببته، ....... وليتني لم أحبك.......
توقف ينظر إلي وكأنه رجل من عالم آخر:........ أحببتني، أنت لم تحبينني يوما، تزوجت بي لظروف تخصك،
-بل أحببتك، وأنت تعلم، فإن كنت لا تعلم، فأنت أعمى، لا شيء يجبرني على احتمال كل نزواتك، لا شي، لا شيء يدفعني إلى الإنجاب منك، لا شيء، إلا لأني أحببتك، لا شيء يدفعني إلى تحمل قسوة قلبك علي.......... سوى أني أحبك، ........
ولأول مرة أشعر أن مشاعري تنساب بحرية، لأني أخذت تصريحا بأن انسياب المشاعر والتعبير عنها بحرية لا ينقص الإنسان بل يزيد من مكانته وبشكل خاص لدى الجنوبي، .......
وليتك كنت هناك، لتري تلك النظرة التي ارتسمت على وجهه، وذلك الشعور الغريب الذي انتابني، بدأت أرجف من شدة التأثر، ثم كورت نفسي، واحتضنت ركبتي، وأخفيت وجهي في حجري، وبكيت بصوت عالي، لم أستطع التحكم في نفسي، وشعرت به وهو يقترب مني، ويحتضن رأسي، فرفعت وجهي وطوقت رأسه بيدي، وبدأت أبكي وأتحدث إليه كطفلة: إني أحتاجك، تلك هي الحقيقة، طوال الوقت أخفيت مشاعري لكي لا تجرحني، اعتقدت أن من العيب أن أخبرك بحبي، وأنك وحدك ستفهم، أحبك كثيرا، وأشعر أن لا حياة لي بدونك، أنت كل أهلي، ولا أهل لي سواك، ........ لا تتركني، ولا تعذبني بهجرك، فأنا لا أطيق بعدك، إني وحيدة بدونك، ساعدني، لا تتخلى عني، لم تقسو علي وأنت كل ما لدي............. أأأأأأأأأأأأه،
وصرت أبكي وهو يربت على كتفي ويقول لي: لا بأس أنا آسف، اهدئي حبيبتي، ..... آسف، يكفي، اهدئي............ وبقيت أبكي بين يديه، حتى شعرت بالإنهاك، وكان يحملني إلى السرير، بينما أصبت بحالة من الخدر في أعضائي، .......
ومر وقت، عندما فتحت عيني لأراه يحدق بي شارد الذهن يفكر، ..... رن هاتفه النقال، فنظر إلي بحرج، وأمسك بالهاتف وأغلقه، ..... ، ثم اقترب مني، وبدأ يمسح على رأسي: هل أنت بخير........؟؟
لكني لم أستطع الكلام، حيث أصابتني نوبة بكاء جديدة: ............ أه، لست بخير، إني أتعس امرأة في الوجود، لست بخير إني وحيدة ومتعبة، .....
- غير صحيح، أنا قربك، ..... ولن أتخلى عنك.......
طوقته من جديد بذراعي، وحاولت التعلق به، وبكيت على صدره من جديد..........!!!!
((يتبع الجزء15))