والحقيقة أن الصحابة- رضي الله عنهم أجمعين- لم يسْلَموا من لمزٍ وتعريض.. إذ زعم الأشاعرة أن مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم "فيصفون إخوانهم بالفضيلة في العلم والبيان والتحقيق، والسلفَ بالنقص في ذلك والتقصير فيه، ولا ريب أن هذا شعبة من الرفض" [12].
أفبعد هذه المفارقات والضلالات يقال: إن الاشاعرة أرباب سُّنة واتباع؟!، إن بين هذا التمشعر المتهافت وبين السُّنة النبوية مفاوز بعيدة وشاسعة تنقطع فيها أعناق المطي!!
إن من دواعي الانخداع بالمذهب الأشعري أن التمشعر مذهب تلفيقي توفيقي بين الوحي والعقل- على حدّ زعمهم- فهو يختار التلوّن والمصانعة للفريقين (أهل السُّنة والجماعة وأهل الاعتزال)، وعند التحقيق وتجلية الأمور، فهو إلى المعتزلة أقرب وألصق، لكنهم يكتمون ذلك!!، حتى قال ابن قدامة: "ولا نعرف في أهل البدع طائفة يكتمون مقالتهم ولا يتجاسرون على إظهارها إلا الزنادقة والأشعرية" [13]، وقال الإمام السجزي(ت444هـ): "والمعتزلة مع سوء مذهبهم أقل ضرراً على عوام أهل السُّنة من هؤلاء؛ لأن المعتزلة قد أظهر تمذهبها ولم تموِّه.. وكثير من مذهب الأشعري يقول في الظاهر بقول أهل السُّنة مجملاً، ثم عند التفسير والتفصيل يرجع إلى قول المعتزلة، فالجاهل يقبله بما يظهره، والعالِم يكشفه لما منه يخبره، والضرر بهم أكثر منه بالمعتزلة لإظهار أولئك ومجانبتهم أهل السُّنة، وإخفاء هؤلاء ومخالطتهم أهل الحق. نسأل الله السلامة من كلٍّ برحمته" [14].
والمذهب الأشعري لا يزيده تصرّم الأيام إلا انحرافاً وانحداراً، حتى أفضوا للتسول باليهود في إنكار الصفات، وكما يقال: طافوا بأخس المذاهب ونالوا أخبث المطالب والمكاسب، ومن ذلك أن موسى بن ميمون(ت601هــ) من ملاحدة اليهود وفلاسفتهم [15]، ألّف (دلالةَ الحائرين) وهو طافح بتعطيل الصفات الإلهية وإنكارها، وقام التبريزي- أحد تلاميذ الفخر الرازي- بشرحه والتعليق عليه، ثم نشره محمد زاهد الكوثري- أشهر دعاة البدع والضلال في هذا العصر- سنة1369هـ[16]، واحتفى به!!، وفي الوقت نفسه كان الكوثري المأبون في دينه ونقله يدَّعي أن أهل الحديث في الهند أضر على الإسلام من اليهود [17]!!
وأخيراً: فمع شناعات المذهب الأشعري وكثرة عواره وتناقضاته، إلا أننا نستصحب في نفس الوقت مراتب الشرور، وأن في أهل الأهواء من هو شر منهم كالرافضة والخوارج ونحوهم، كما أن الحديث ها هنا عن التمشعر مذهباً ومعتقداً، وأما أربابه فقد يعتريهم ويلحقهم من عوارض الأهلية كالجهل والتأوّل ما قد يُعذَرون به عند الله تعالى، والله تعالى يغفر لنا ولهم، والواجب أن نكون أكثر شجاعة وبذلاً في سبيل إظهار السُّنة ونشرها، ومدافعة البدعة وإزهاقها. فاللهم أحينا على الإسلام والسُّنة حتى نلقاك.