- يوم الخندق
عندما دب الفشل في صفوف المشركين و اختلف أمرهم و تفرق جماعتهم ، بعث الرسول صلى
الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان ، وكان الطقس باردا و القوم يعانون من الخوف والجوع
وقال له ( يا حذيفة ، اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون ، ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا )
فذهب ودخل في القوم ، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء فقام
أبو سفيان فقال ( يا معشر قريش ، لينظر امرؤ من جليسه ؟ )
قال حذيفة ( فأخذت بيد الرجل الذي كان الى جنبي فقلت : من أنت ؟ قال : فلان بن فلان )
فأمن نفسه في المعسكر ، ثم قال أبو سفيان ( يا معشر قريش ، انكم والله ما أصبحتم بدار
مقام ، لقد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنو قريظة ، وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدة الريح
ما ترون ، ما تطمئن لنا قدر ، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فاني مرتحل) ثم نهض فوق
جمله ، وبدأ المسير . يقول حذيفة ( لولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليَّ الا تحدث شيئا
حتى تأتيني ، لقتلته بسهم ) وعاد حذيفة الى الرسول حاملا له البشرى .
اختياره للكوفة
أنزل مناخ المدائن بالعرب المسلمين أذى بليغاً ، فكتب عمر لسعد بن أبي وقاص كي يغادرها فوراً بعد أن
يجد مكاناً ملائماً للمسلمين ، فوكل أمر اختيار المكان لحذيفة بن اليمان ومعه سلمان بن زياد، فلما بلغا
أرض الكوفة وكانت حصباء جرداء مرملة، قال حذيفة لصاحبه: (هنا المنزل ان شاء الله) وهكذا خططت الكوفة
وتحولت إلى مدينةٍ عامرة ، وشُفي سقيمُ المسلمين و قَوِيَ ضعيفهم .
- توليه على المدائن .
خرج أهل المدائن لاستقبال الوالي الذي اختاره عمر رضي الله عنه لهم ، فـأبصروا أمامهم رجلاً يركب حماره
على ظهره اكاف قديم ، وأمسك بيديه رغيفاً و ملحاً * وهو يأكل و يمضغ ، وكاد يطير صوابهم عندما علموا أنه
الوالي حذيفة بن اليمان المنتظر ، ففي بلاد فارس لم يعهدوا الولاة كذلك ، وحين رآهم حذيفة يحدقون به
قال لهم : اياكم ومواقف الفتن * قالوا : وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله ؟ * قال : أبواب الأمراء ، يدخل أحدكم
على الأمير أو الوالي ، فيصدقه بالكذب ، ويمتدحه بما ليس فيه فكانت هذه البداية أصدق تعبير عن
شخصية الحاكم الجديد ، ومنهجه في الولاية .
- أفضاله .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ما من نبي قبلي إلا قد أعطيَ سبعة نُجباء رفقاء ، وأعطيتُ أنا
أربعة عشر ( سبعة من قريش : عليّ و الحسن و الحسين و حمزة و جعفر ، و أبو بكر و عمر )
و ( سبعة من المهاجرين : عبد الله ابن مسعود و سلمان و أبو ذر و حذيفة و عمار و المقداد
و بلال ) رضوان الله عليهم .
قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : استخلفتَ * فقال : إنّي إنْ استخْلِفُ عليكم فعصيتم خليفتي
عُذّبتُم ، ولكم ما حدّثكم به حُذيفة فصدِّقوه ، وما أقرأكم عبد الله بن مسعود فاقْرَؤُوه .
قال عمر بن الخطاب لأصحابه : تمنّوا فتمنّوا ملءَ البيتِ الذي كانوا فيه مالاً وجواهر يُنفقونها في سبيل
الله ، فقال عمر : لكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة و معاذ بن جبل و حذيفة بن اليمان ،فأستعملهم
في طاعة الله عزّ وجلّ ثم بعث بمال إلى أبي عبيدة وقال انظر ما يصنع فقسَمَهُ ، ثم بعث بمالٍ إلى
حذيفة وقال انظر ما يصنع فقَسَمه ، فقال : عمر قد قُلتُ لكم .
خوفه من الشَّـر
كان حذيفة رضي الله عنهيرى أن الخير واضح في الحياة ، ولكن الشر هو المخفي ، لذا فهو يقول كان
الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني
قلت : يا رسول الله ، إنَّا كُـنَّا في جاهليةٍ و شر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فـهل بعد هذا
الخير من شر ؟ * قال : نعم * قلت: فهل من بعد هذا الشر من خير ؟ * قال : نعم ، وفيه دخن * قلت :
وما دخنه ؟ * قال : قوم يستنون بغير سنتي ، ويهتدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر * قلت : وهل بعد ذلك
الخير من شر ؟ * قال : نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم اليها قذفوه فيها * قلت : يا رسول الله ، فما
تأمرني ان أدركني ذلك ؟ * قال : تلزم جماعة المسلمين وامامهم * قلت : فان لم يكن لهم جماعة ولا
إمام ؟ * قال : تعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك .
أيضـاً سئل حذيفة : أيُّ الفتن أشد ؟ * قال : اَن يعْـرض عليك الخير والشَّـر * فلا تدري أيهـما تركب .
وقال حذيفة رضي الله عنه : لا تقوم السَّـاعة حتى يسودَ كلَّ قبيلة مُـنافِـقوها .