و السنة :
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع فإن الشيطان يدخل ” . رواه مسلم [2995] عن أبي سعيد الخدري .
و وجه الدلالة التصريح بدخول الجني في جسد الإنسي .
2- عن عثمان بن أبي العاص ، قال : لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف ، جَعَلَ يعرض لي شيء في صلاتي ، حتى ما أدري ما أصلي ، فلمّا رأيت ذلك رحلتُ على ( وفي رواية الرُّوياني : دخلت على ) رسول الله صلى الله عليه وسلم [ فلم يُرَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وأنا بين يديه ] فقال : ( ابنُ أبي العاص ؟! ) قلت : نعم يا رسول الله ، قال : ( ما جاء بك ؟ ) وفي رواية الروياني : ما شأنك ؟ ) قلت : يا رسول الله ، عرض لي شيء في صلاتي ، حتى ما أدري ما أًصلي ، قال : ( ذاك الشيطان ، ادنه ) [ فقال لي : اجلس على صدور قدميك ] ، قال فدنوت منه فجلست على صدور قدمي [ قال ( افغر فاك ، ففغرت فاي ] قال : فضرب صدري بيده ، وتفل في فمي ، وقال : ( اخرج عدو الله [ من صدره ] ) ففعل ذلك ثلاث مرات ، ثم قال ( الحق بعملك ) فقال عثمان : فلعمري ما أحسبه خالطني ( وفي نسخة عند الروياني : خابطني ) بعد ( وفي رواية ابن أبي عاصم : فما حسست به بعد )
رواه ابن ماجة و الروياني في مسنده وابن أبي عاصم .
وإسناده صحيح غاية ! وقد تتبع هذه الطرق و خرجها وذكر فوائدها الشيخ الألباني في صحيحته [2918 ]
3- وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أُصرع وإني أتكشف فادع الله لي. قال: (إن شئت صبرت ولك الجنة, وإن شئت دعوت الله أن يعافيك). فقالت: أصبر. فقالت: إني أتكشف, فادع الله أن لا أتكشف. فدعا لها. [ والحديث متفق عليه ]
و صرع هذه المرأة شيطاني لا عضوي ، كما جاء هذا صريحاً في بعض طرق الحديث ، ففي بعض طرق الحديث [ أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها طيف ] ، وعند البزار أنها قالت : [ إني أخاف الخبيث أن يجردني – يعني الشيطان – فدعا لها فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتي أستار الكعبة فتتعلق بها ] وانظر كلام الحافظ ابن حجر في فتح الباري [10/143].
4- حديث ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ) وقد رواه الشيخان
قال الحافظ ابن حجر : ( وهو وإن كان في سياقه أنه مخصوص بالوسوسة ؛ لكنه على إمكان ما أشرت إليه ، و الدلالة الوجودية فيمن يصرعه الجن من الإنس كثيرة جداً ) [ بذل الماعون 151]
5- عن حذيفة بن أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة ، فيقول : يا رب أشقي أو سعيد ؟ فيكتب ، فيقول : أي رب أذكر أم أنثى ؟ فيكتب ، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ، ثم تطوى الصحيفة فلا يزاد فيها ولا ينقص } ( رواه مسلم ) .
و وجه الدلالة من هذا الحديث : أن الملائكة أجسام حقيقية قائمة بذاتها ، بطبيعتهم الخاصة المختلفة عن البشر ، وهاهو الدليل الأثري يثبت إمكان دخولهم في جسد الإنسان ، فما المانع من دخول الجني ذي الخلقة الخاصة به من دخول جسد الإنسي ؟
الشرع ينفي المانع تماماً ويطرده ، بل ينص على ضده بوضوح تام . ولكن المسألة مسألة التسليم بنص النبي صلى الله عليه وسلم وتقديم قوله على كل قول .
6- عن أبي اليَسَر رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( اللهم إني أعوذ بك من التردي والهدم ، والغرق والحريق ، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت ، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا ، وأعوذ بك من أن أموت لديغا )
رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم ،وهو حديث صحيح .
ووجه الدلالة من الحديث : إثبات التخبط البدني المادي الحقيقي من الشيطان للإنسان ، وانظر كلام القرطبي في تفسيره [3/355] في استدلاله بهذا الحديث .
7- روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثاً ؛ فإن الشيطان يبيت على خيشومه }
ووجه الدلالة : أن الشيطان يبيت في الأنف أو عليه ، والمبات على أنفه لا يشعر بمن عليه أو فيه بالضرورة .
8- في صحيح البخاري [3316] عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم [ اكفئوا صبيانكم عند المساء ، فإن للجن انتشاراً وخِطفة ] !
و في هذا الحديث إثبات ما هو أكثر من مجرد المس و الصرع ! فتأمل ! وفي كتب الآثار-كما سيجيء – خطف الجن لرجل في عهد عمر ! وشكاية زوجته لعمر .
9- حديث [ يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب كل عقدة مكانها عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، فأصبح نشيطاً طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ] وهو عند الشيخان .
وجه الدلالة من الحديث إثبات الأثر الحقيقي الجسماني للجن على الإنس زيادة على الوسوسة .
10- حديث ابن مسعود عند الشيخان قال ذُكر رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم نام حتى أصبح ، فقال صلى الله عليه وسلم [ ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه ]
و الحديث على ظاهره ، وفيه إثبات أثر الشيطان على الأنس زيادة على الوسوسة . وفي الأحاديث من هذا الباب أن الشيطان يأكل مع الإنسان إن لم يذكر اسم الله ، فكيف يفعل بهذا من لم يصدق بهذه الأحاديث وماذا يقول لصرفها وتعطيلها ؟ اللهم السلامة ..
11- في “صحيح مسلم” برقم (2236) عن أبي سعيد الخدري .. كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس، قال: فخرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يومًا، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ” خُذ عليك سلاحَك، فإني أخشى عليك قُريظة “، فأخذ الرجل سلاحه، ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة، فأهوى إليها الرُّمح ليطعنها به، وأصابته غَيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني. فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش. فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به، ثم خرج فركزه في الدَّار، وخر الفتى صريعاً . فما يدري أيهما كان أسرع موتًا؛ الحية أم الفتى؟
قال: فجئنا إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- فذكرنا له، وقلنا : ادع الله يحييه لنا، فقال: ” استغفروا لصاحبكم “، ثم قال: ” إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئًا فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه؛ فإنما هو شيطان “.
ووجه الدلالة من هذا الحديث بأمور :
- أولاً فيه إيذاء الجني للإنسي بأكثر من الوسوسة بل والصرع ، فإن الفتى قتله الجني .
- ثانياً : يظهر لي أن الصحابة رضي الله عنهم لما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله ليحيه لهم لما استقر عندهم من صرع الإنسي بالجني فظنوا أن موته من هذا الباب يعني مرضي فطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله ليحيه .
12- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الطاعون وخْزُ أعدائكم من الجن } [ وهو حديث صحيح انظر إرواء الغليل [1637] ، و للحافظ ابن حجر [ بذل الماعون في فضل الطاعون ] فإنه قد جمع طرق الحديث و أثبته و شرحه وتكلم عليه ورد على من رفض هذا الحديث توهماً منه أنه يخالف الطب .
ووجه الدلالة من هذا الحديث إثبات الأثر المادي الحقيقي للجني في الإنسي .
13- حديث يعلى بن مُرَّةَ قال : [ مررنا بامرأة جالسة معها صبي لها ، فقالت : يا رسول الله هذا صبي أصابه بلاء ، وأصابتنا منه بلاء ، يؤخذ في اليوم ما أدري كم مرة ! قال : ناولينيه ، فرفعته إليه ، فجعلته بينه وبين واسطة الرحل ، ثم فغر فاه ، فنفث فيه ثلاثاً وقال : [ بسم الله ، انا عبد الله ، اخسأ عدو الله ] ثم ناولها إياه ، فقال : القنا في الرجعة في هذا المكان ، فاخبرينا ما فعل ، قال فذهبنا ورجعنا فوجدناها في ذلك المكان معها شياه ثلاث ، فقال صلى الله عليه وسلم : ما فعل صبيك ؟ فقالت : و الذي بعثك بالحق ما حسسنا منه شيئاً حتى الساعة ، فاجتزر هذه الغنم ، قال : انزل فخذ منها واحدة ورد البقية ]
( وللحديث طرق عدة فيها ضعف وفي بعضها انقطاع ، ولكنه يحسن بمجموع طرقه فصححه الحاكم و جود إسناده المنذري و الحافظ ابن كثير و صححه البقاعي وحسنه الحافظ ابن حجر وقال الألباني في السلسلة الصحيحة [ وبالجملة ؛ فالحديث بهذه المتابعات جيد ]
و الأثر :
أما الآثار في هذا الباب فكثيرة جداً وحسبي نقل بعض منها :
1- قال الدارقطني في سننه عن أبي عثمان قال : أتت امرأة عمر بن الخطاب فقالت استهوت الجن زوجها فأمرها أن تتربص أربع سنين ثم أمر ولى الذي استهوته الجن أن يطلقها ثم أمرها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا .
وإسناد الأثر قوي ، وهو عند ابن أبي شيبة في المصنف 16985 : [ عن يحيى بن جَعْدَةَ أن رجلاً انتسفته الجن على عهد عمر ، فأتت امرأته عمر ، فأمرها أن تربّص أربع سنين ، ثم أمر وليه بعد أربع سنين أن يطلقها ، ثم أمرها أن تعتد ، فإذا انقضت عدتها تزوجت ، فإن جاء زوجها خير بين امرأته و الصداق ]
مع العلم أن القصة هذه رويت في كتب المصنفات بمتن أطول من هذا ولا يصح من القصة إلا أصلها الذي هنا ، وعلى كل حال فمحل الشاهد منه واضح .
2- وعن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي؛ قال: “مرّ ابن عمر برجلٍ من أهل القرآن ساقط, فقال: ما بال هذا؟ قالوا: إنه إذا قرئ عليه القرآن وسمع ذكر الله سقط. فقال ابن عمر: إنا لنخشى الله وما نسقط! ثم قال: إن الشيطان يدخل في جوف أحدهم, ما كان هذا صنيع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم”. رواه أبو عبيد في فضائل القرآن [214] وأورده الشاطبي في الاعتصام والبغوي في تفسيره
3- و عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما؛ قالت: “كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرئ عليهم القرآن كما نعتهم الله تدمع أعينهم, وتقشعر جلودهم. قيل لها: فإن أناساً اليوم إذا قرئ عليهم القرآن خرَّ أحدهم مغشياً عليه! فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”.
رواه أبو عبيد في فضائل القرآن [214] و البيهقي في الشعب و سعيد بن منصور في تفسيره ، وإسناده صحيح .
والإجماع :
فلقد نقل إجماع العلماء على تلبس الجني بالإنسي غير واحد من أهل العلم :
1- قال شيخ الإسلام في الفتاوى (24\277): وجود الجن ثابت بكتاب الله وسنة رسول الله واتفاق سلف الأمة, وكذلك دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق اهل السنة والجماعة))
2- قال الشيخ صديق حسن خان في قطف الثمر في عقيدة أهل الأثر (ص413): (( ومن خلق الله الشياطين, ولهم لمة شر لابن آدم وتصرف فيهم وتجري من ابن آدم مجرى الدم, ونقل غير واحد اتفاق أهل العلم على ذلك)) ا.هـ
3- قال الشيخ ابن باز رحمه الله: ((وإجماع الأمة على جواز دخول الجني بالإنسي وصرعه, فكيف يجوز لمن ينتسب إلى العلم أن ينكر ذلك بغير علم ولا هدى بل تقليدا لبعض أهل البدع المخالفين لأهل السنة والجماعة, ولا حول ولا قوة إلا بالله)) (مسألة دخول الجني في بد المصروع (ص33).
4- قال ابن القطان في كتابه عن الإجماع – وهو من أحسن الكتب الناقلة للإجماع واضبطها – : [ 106- وأجمعوا على أن الشياطين أمكنهم الله تعالى من أن يتحول أحدهم وينتقل من حال إلى حال، فيتمثل مرة في صورة، ثم مرة في أخرى، ومرة يصل إلى السماء فيسترق السمع، ومرة يصل إلى قلب ابن آدم يوسوس، ومرة يجري من ابن آدم مجرى الدم.
107- وأجمعوا على الإيمان بأن الشيطان تتخبط من بني آدم من سلطان الله عليه و [..] كما شاء وكيف شاء.] ا.هـ
أما التجربة والواقع :
فإن هذا واقع مشاهد ملموس من أن الجني يدخل في بدن الإنسي ويصرعه ويتكلم على لسانه ، وقد نقل الإمام ابن القيم مثل هذا عن شيخه ابن تيمية ، وذكر الشيخ ابن باز أنه كلم جنياً وحدثه ووعظه ، بل تواتر عند الناس مثل هذه الأخبار ، ونقلها الثقة العدل الضابط .
بل رأيت ذلك بعيني التي برأسي وكلمت جنياً على لسان مصروع ! ورأيته حاله وأحواله عند قراءة القرآن عليه .
أفأكذب بدلالة الكتاب و السنة و الآثار و الإجماع و الواقع لأمشي مع تشكيك العقلانين الذين لا يصدقون بأي شيء ؟!
بل حتى العقل يجيز مثل هذا ! ولقد سبق الاستدلال على جواز دخول الملك في جسد الإنسي ، و اليوم نرى أن في جسد الإنسي كائنات حية أخرى كالديدان وغيرها ، فكيف قبلتم وسلمتم بهذا ورفضتم ذاك ؟