يمثل حليب الأم الغذاء الأمثل والمتكامل للطفل في بداية حياته، ولكن عند توقيت معين يجب إدخال عناصر غذائية أخرى، حيث لا يمكن للطفل الاعتماد على الحليب عن طريق الرضاعة الطبيعية فقط لتلبية جميع احتياجاته الغذائية التي تساعده على النمو المثالي.
والسؤال المطروح دائما هو حول التوقيت الأمثل لبداية الفطام، وقد أشارت دراسة جديدة في مطلع العام الحالي قام بها باحثون من جامعه يونيفرسيتي كوليدج في لندن، إلى أن الفطام كلما كان مبكرا يمكن أن يمثل القرار الصائب في صالح الرضيع، خاصة لدى الذين يرضعون رضاعة طبيعية.
وأشارت الدارسة أيضا إلى أن إدخال عناصر غذائية صلبة أخرى قد يمثل فائدة أكبر من استمرار الرضاعة، ويمكن إدخال هذه الأغذية ابتداء من الشهر الرابع، وهو الشهر الذي يتمكن فيه الطفل من الجلوس منتصبا، وكذلك يتمكن من إسناد رأسه بمفرده.
ونتيجة لهذه الدراسة، تم فتح الباب مجددا للنقاش الطويل المثير للجدل حول توقيت بداية الفطام، وهو الأمر الذي لم يتم حسمه حتى الآن، إذ إن التوصيات ببداية الفطام بالنسبة للرضيع تتغير كل فترة زمنية تبعا للدراسات التي توازن بين مزايا الفطام المبكر وإدخال عناصر غذائية جديدة بجانب الحليب للرضيع، في مقابل أضرار الانتقاص من جرعات الحليب والمزايا الكثيرة للرضاعة الطبيعية للرضيع والأم على حد سواء، وكذلك أضرار أخرى للفطام المبكر مثل الإصابة بأنواع مختلفة من العدوى.
ومن المعروف أن التوصيات الحالية، التي كانت منظمة الصحة العالمية who قد أقرتها منذ عشرة أعوام تقريبا، تثمن استمرار الرضاعة حتى 6 شهور من دون محاولة إدخال أغذية جديدة على الإطلاق .
نصوص المنظمة تذكر بأنه يمكن تجنب مليون حاله من وفيات الأطفال سنويا في كل أنحاء العالم، خاصة إذا التزمت جميع الأمهات بالرضاعة الطبيعية أو بالحليب فقط لمده 6 شهور، حيث إن من المعروف أن حليب الأم يحتوى على أجسام مضادة تساعد في الوقاية من النزلات المعوية والالتهاب الرئوي، وهم من أهم أسباب وفيات الأطفال في العالم.
ولكن الدراسة الحالية أشارت إلى أن استمرار الاعتماد على الحليب فقط حتى 6 شهور قد يؤدي إلى نقص كميات الحديد في جسم الطفل، ومن ثم إصابته بأنيميا نقص الحديد، كما يمكن أن يزيد من الحساسية للأطعمة المختلفة، وخاصة أن هناك دراسة سابقة في عام 2007 بالولايات المتحدة الأميركية حذرت من أن استمرار الرضاعة إلى 6 شهور يحمل خطرا متزايدا للإصابة بالأنيميا.
وقد صرحت الدكتورة ماري فيوتريل، وهي طبيبة أطفال تقود الفريق البحثي من جامعة لندن، بأن التوصيات السابقة باستمرار الرضاعة قد تكون مفيدة في الدول النامية والفقيرة حيث لا تتوفر المصادر للمياه النقية، وكذلك الطعام الآمن والصحي للفطام، وخاصة قبل أن يتم اكتمال الجهاز الهضمي والبلع بشكل مناسب، حيث إن الطعام الصلب أصعب كثيرا في البلع من الحليب بطبيعة الحال، وكذلك فإن احتمالية الإصابة بالعدوى المختلفة وزيادة الوفيات بين الأطفال، ولكن الاستمرار في الرضاعة الطبيعية ليس بهذه الأهمية في الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
وكانت التوصيات التي استندت عليها منظمة الصحة العالمية تفيد بأن الأطفال الذين يرضعون حتى 6 شهور لا يتعرضون لمشكلات في النمو، ونادرا ما يتعرضون للعدوى.
واعتمدت في ذلك على 16 دراسة، منها 7 دراسات من الدول النامية، تشيد بامتداد فترة الرضاعة حتى 6 شهور. ولكن في المقابل هناك 33 دراسة أخرى ترجح أن بداية الفطام وإدخال أغذية جديدة للطفل بداية من الشهر الرابع لا يحمل أي مخاطر طبية.
وبجانب الدراسات الطبية، نجد أن هناك ثقافات مجتمعية أيضا تتحكم في الرضاعة الطبيعية وبداية الفطام، حيث إنه من غير المألوف في بلد مثل الولايات المتحدة استمرار الرضاعة الطبيعية لأكثر من 4 شهور أو 6 شهور على أكثر تقدير، ولا تزيد نسبة الأمهات اللاتي يكملن الرضاعة الطبيعية بعد 6 شهور، عن 20 في المائة على الرغم من توصيات الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال aap باستمرار الرضاعة لمده عام كامل، وفي ثقافات أخرى، وفي بلد مثل الهند تمتد فترة الرضاعة إلى عامين وأحيانا 3 أعوام.
ومن الضروري أن نوضح أنه أيا كان توقيت الفطام، فيجب أن لا يحدث بشكل مفاجئ، بل لا بد من حدوثه بالتدريج لتفادي الضرر لكل من الأم والطفل معا.
ولذلك يجب الاستمرار في الرضاعة الطبيعية بجانب الغذاء، حيث إن الحليب يظل المصدر الأهم للتغذية حتى العام الأول من عمر الطفل، ويمكن فقط استبدال بعض الوجبات من الرضاعة الطبيعية إلى الأطعمة المختلفة.
والفطام المفاجئ يمثل ضررا بالنسبة للأم، فقد يؤدي إلى تورم الثديين واحتمالية حدوث خراج في الثدي، لأن مستوى الهرمونات في الدم يكون ما زال مرتــــــفعــــا.
وإذا اضطرت الأم إلى إنهاء الرضاعة الطبيعية لأي سبب طبي يتعارض مع الرضاعة، مثل أخذ علاج يؤثر بشكل سيئ على الرضيع ولا يمكن استبدال هذا العقار أو الاستغناء عنه، فيجب عليها استشاره الطبيب وأخذ عقار من شأنه أن يثبط إفراز الحليب.
وبالنسبة للطفل فقد تحدث له صدمة نفسية، حيث إن الرضاعة الطبيعية لا تمثل مصدرا للغذاء فقط، بل تمثل مصدرا للراحة والاطمئنان.
ويفضل أن تكون بداية الفطام باستبدال وجبة واحدة فقط في اليوم، ثم تتدرج بعد ذلك. ويستحسن أن تكون الوجبة الأولى بعد استيقاظ الطفل، والأخيرة قبل النوم.