الفرق بين دعاء المسألة ودعاء العبادة
 
 
الحمد لله
تستعمل كلمة "الدعاء" للدلالة على معنيين اثنين :
1-  دعاء المسألة ، وهو طلب ما ينفع ، أو طلب دفع ما يضر ، بأن يسأل الله  تعالى ما ينفعه في الدنيا والآخرة ، ودفع ما يضره في الدنيا والآخرة . 
كالدعاء  بالمغفرة والرحمة ، والهداية والتوفيق ، والفوز بالجنة ، والنجاة من  النار، وأن يؤتيه الله حسنة في الدنيا ، وحسنة في الآخرة ... إلخ .
2-  دعاء العبادة ، والمراد به أن يكون الإنسان عابداً لله تعالى ، بأي نوع من  أنواع العبادات ، القلبية أو البدنية أو المالية ، كالخوف من الله ومحبة  رجائه والتوكل عليه ، والصلاة والصيام والحج ، وقراءة القرآن والتسبيح  والذكر ، والزكاة والصدقة والجهاد في سبيل الله ، والدعوة إلى الله ،  والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..... إلخ .
فكل قائم بشيء من هذه العبادات فهو داعٍ لله تعالى .
انظر : "القول المفيد" (1/264) ، "تصحيح الدعاء" (ص 15- 21) .
والغالب  أن كلمة (الدعاء) الواردة في آيات القرآن الكريم يراد بها المعنيان معاً ؛  لأنهما متلازمان ، فكل سائل يسأل الله بلسانه فهو عابد له ، فإن الدعاء  عبادة ، وكل عابد يصلي لله أو يصوم أو يحج فهو يفعل ذلك يرد من الله تعالى  الثواب والفوز بالجنة والنجاة من العقاب .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
"كل  ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء ، والنهي عن دعاء غير الله ، والثناء  على الداعين ، يتناول دعاء المسألة ، ودعاء العبادة" انتهى .
"القواعد الحسان" (رقم/51) .
وقد يكون أحد نوعي الدعاء أظهر قصدا من النوع الآخر في بعض الآيات . 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -  في قول الله عزّ وجلّ : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ  لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ  إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ  مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الأعراف/55-56- :
" هاتان الآيتان مشتملتان على آداب نوعَيِ الدُّعاء : دعاء العبادة ، ودعاء المسألة : 
فإنّ  الدُّعاء في القرآن يراد به هذا تارةً وهذا تارةً ، ويراد به مجموعهما ؛  وهما متلازمان ؛ فإنّ دعاء المسألة : هو طلب ما ينفع الدّاعي ، وطلب كشف ما  يضره ودفعِه ،... فهو يدعو للنفع والضرِّ دعاءَ المسألة ، ويدعو خوفاً  ورجاءً دعاءَ العبادة ؛ فعُلم أنَّ النَّوعين متلازمان ؛ فكل دعاءِ عبادةٍ  مستلزمٌ لدعاءِ المسألة ، وكل دعاءِ مسألةٍ متضمنٌ لدعاءِ العبادة .
وعلى  هذا فقوله : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فإنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ  دَعْوَةَ الدّاعِ إِذَا دَعَانِ) يتناول نوعي الدُّعاء ... وبكل منهما  فُسِّرت الآية . قيل : أُعطيه إذا سألني ، وقيل : أُثيبه إذا عبدني ،  والقولان متلازمان . 
وليس  هذا من استعمال اللفظ المشترك في معنييه كليهما ، أو استعمال اللفظ في  حقيقته ومجازه ؛ بل هذا استعماله في حقيقته المتضمنة للأمرين جميعاً .
فتأمَّله ؛ فإنّه موضوعٌ عظيمُ النّفع ، وقلَّ ما يُفطن له ، وأكثر آيات القرآن دالَّةٌ على معنيين فصاعداً ، فهي من هذا القبيل .
ومن  ذلك قوله تعالى : (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ)  الفرقان/77 أي : دعاؤكم إياه ، وقيل : دعاؤه إياكم إلى عبادته ، فيكون  المصدر مضافاً إلى المفعول ، ومحل الأول مضافاً إلى الفاعل ، وهو الأرجح من  القولين .
وعلى  هذا ؛ فالمراد به نوعا الدُّعاء ؛ وهو في دعاء العبادة أَظهر ؛ أَي : ما  يعبأُ بكم لولا أَنّكم تَرْجُونَه ، وعبادته تستلزم مسأَلَته ؛ فالنّوعان  داخلان فيه .
ومن  ذلك قوله تعالى : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)  غافر/60 ، فالدُّعاء يتضمن النّوعين ، وهو في دعاء العبادة أظهر ؛ ولهذا  أعقبه (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) الآية ، ويفسَّر  الدُّعاء في الآية بهذا وهذا .
وروى  الترمذي عن النّعمان بن بشير رضي الله عنه قال : سمعتُ رسولَ الله صلَّى  الله عليه وسلَّم يقول على المنبر : إنَّ الدُّعاء هو العبادة ، ثمّ قرأ  قوله تعالى : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) الآية ، قال  الترمذي : حديث حسنٌ صحيحٌ . 
وأمَّا  قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ  يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) الآية ، الحج/73 ، وقوله :  (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا) الآية ، النّساء/117 ،  وقوله : (وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ) الآية ،  فصلت/48 ، وكل موضعٍ ذكر فيه دعاءُ المشركين لأوثانهم ، فالمراد به دعاءُ  العبادة المتضمن دعاءَ المسألة ، فهو في دعاء العبادة أظهر ... 
وقوله  تعالى : (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ) غافر/65 ، هو دعاء  العبادة ، والمعنى : اعبدوه وحده وأخلصوا عبادته لا تعبدوا معه غيره .
وأمَّا  قول إبراهيم عليه السّلام : (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاء) إبراهيم/39  ، فالمراد بالسّمع ههنا ااء الطّلب ، وسَمْعُ الربِّ تعالى له إثابته على  الثناء ، وإجابته للطلب ؛ فهو سميعُ هذا وهذا .
وأمَّا  قولُ زكريا عليه السّلام : ( ولم أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا )  مريم/4 ، فقد قيل : إنَّه دعاءُ لسّمع الخاص ، وهو سمعُ الإجابة والقبول ،  لا السّمع العام ؛ لأنَّه سميعٌ لكل مسموعٍ ، وإذا كان كذلك ؛ فالدُّعاء :  دعاء العبادة ودعالمسألة ، والمعنى : أنَّك عودتَّني إجابتَك ، ولم تشقني  بالرد والحرمان ، فهو توسلٌ إليه سبحانه وتعالى بما سلف من إجابته وإحسانه ،  وهذا ظاهرٌ ههنا .
وأمَّا  قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ) الآية ،  الإسراء/110 ؛ فهذا الدُّعاء : المشهور أنَّه دعاءُ المسألة ، وهو سببُ  النّزول ، قالوا : كان النّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يدعو ربه فيقول  مرَّةً : يا الله . ومرَّةً : يا رحمن . فظنَّ المشركون أنَّه يدعو إلهين ،  فأنزل اللهُ هذه الآيةَ .
وأمَّا  قوله : ( إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ  الرَّحِيمُ ) الطّور/28 ، فهذا دعاءُ العبادة المتضمن للسؤال رغبةً ورهبةً ،  والمعنى: إنَّا كنَّا نخلص له العبادة ؛ وبهذا استحقُّوا أنْ وقاهم الله  عذابَ السّموم ، لا بمجرد السّؤال المشترك بين النّاجي وغيره : فإنّه  سبحانه يسأله من في السّموات والأرض ، (لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ  إِلَهًا) الكهف/14 ، أي : لن نعبد غيره ، وكذا قوله : (أَتَدْعُونَ  بَعْلاً) الآية ، الصّافات/125 . 
وأمَّا  قوله : (وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ) القصص/64 ، فهذا  دعاءُ المسألة ، يبكتهم الله ويخزيهم يوم القيامة بآرائهم ؛ أنَّ شركاءَهم  لا يستجيبون لهم دعوتَهم ، وليس المراد : اعبدوهم ، وهو نظير قوله تعالى :  (وَيَوْمَ يَقولُ نَادُوا شُرَكائِي الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ  فلمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) الكهف/52 " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن تيمية" (15/10-14) باختصار . وانظر أمثلة أخرى في "بدائع الفوائد" لابن القيم (3/513-527) .
والله أعلم