ومسلم والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول رسول الله صلى الله
عليه وسلم : "يانساء المؤمنات لاتحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة " .
وفي رواية الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" تهادوا فإن الهدية تُذهب وحر الصدر , ولا تحقر جارة لجارتها ولو شق فرسن شاة " ([6]) .
ووحر الصدر غله وغشه .وفرسن الشاة ظلفها , ويطلق على العظم القليل اللحم , والمراد الشيء القليل .
ففي
هذا الحديث بيان ما للهدية من أثر فعال في تصفية القلوب وإزالة مايكدر
صفوها من الغل والحقد , لأن المسلم حينما يقدم لأخيه الهدية فإنما يعبر له
بذلك عن صفاء قلبه نحوه , واستعداده الكامل للتفاهم معه على
الأمور التي قد تكون سببا في تكدير صفاء القلوب , فإذا استشعر المهدى إليه
هذا المعنى فإنه بدوره ينجذب نحو أخيه المهدي إليه ويزول مافي قلبه عليه
من الغل والحقد .
وإذا كان هذا مطلوبا بين المسلمين عموما فإنه بين الجيران من باب أولى , وقد جاء التعبير عن الجيران بالجارات
من النساء لأنهن عادة يستنكفن من الهدية إذا كانت قليلة فلا يهدين إلا
ماكان كثيرا, وهذا الكثير قد لا يتوافر فتتوقف بذلك الهدايا بين الجيران ,
فجاء الارشاد خاصا بالنساء ليبادرن إلى التهادي بينهن ولو بأقل القليل .
وفي التهادي بين الجيران أخرج الإمام مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: "إن خليلي أوصاني : إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه ثم انظر أقرب أهل بيت من جيرانك فأصبهم بمعروف" ([7]) .
وفي حديث آخر أخرجه الإمامان البخاري وأبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: " قلت: يارسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي ؟ قال: إلى أقربهما منك بابا" ([8]) .
وفي هذا دليل على أن الذي يُقدَّم بالهدية هو الأقرب من الجيران , وليس الأغنى أو الأكثر شرفا ورفعة .
ولقد
طبق الصحابة رضي الله عنهم هذه التوجيهات النبوية ومن ذلك ما أخرجه
الإمامان أبو داود والترمذي من حديث عمرو بن شعيب رحمه الله عن أبيه قال:
ذُبحت شاة لابن عمرو في أهله فقال: أهديتم لجارنا اليهودي ؟ قالوا : لا ,
قال: ابعثوا إليه منها , فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " ([9]) .

وهكذا اهتم عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما بجاره اليهودي , ولم يحرمه من الهدية لكونه على غير دينه , فإن له حق الجوار وإن كان مخالفا في الدين , وهذا مثل على تسامح المسلمين وحسن معاملتهم لأهل الذمة , وذلك تنفيذ منهم لأحكام الإسلام وآدابه .
وإن هذه المعاملة الكريمة لمن ليسوا على ديننا لأكبر دافع لهم إلى الدخول في الإسلام , وإزالة مافي نفوسهم من الكراهية لهذا الدين والنفور منه