قال : إمّا أنك لم تقرأ أو لم تفهم ، والعنوان عكس ما أوردته، فكلام ابن تيمية رحمه الله فيه أنه خرج للعراق، فكيف أن الحسين لم يخرج ؟
قلت : لم يخرج الحسين بن علي رضي الله عنه على ولي أمره، وذلك للأمور التالية:
الأمر الأول : أنه أراد الخروج للعراق لعلهم ينصرونه، وليس فيه أنه كان سائر إليهم ليخرجوا على ولي الأمر. والقضية ليست نصاً في أنه لما خرج يريد العراق أراد الخروج على ولي الأمر.
الأمر الثاني : أنه لما سار إلى العراق وبلغه في الطريق أن الذي أرسله إليهم قتلوه، أراد الرجوع فمنعته السرية الباغية.
الأمر الثالث : أنه لو كان يريد الخروج لما عرض على السرية أن يذهب إلى يزيد، أو يذهب للقتال في الثغور أو يرجع، وهذا حال من ليس عنده فكرة الخروج على ولي الأمر، و إلا كيف يطلب ان يمكن من الذهاب إلى ولي الأمر؟!
الأمر الرابع : أن ولي الأمر تبرأ من قتله ، فذكر أنه لم يأمر بذلك و لم يرض به، ولو كان يعلم أنه خارج عليه لما اعتذر بهذا و لا عتذر بأنه كان يريد الخروج على ولي الأمر.
الأمر الخامس : ما ختمت به المنشور من أن هذا هو قول أهل السنة في القضية ، قال ابن تيمية رحمه الله: "وَصَارَ النَّاسُ فِي قَتْلِ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ : طَرَفَيْنِ وَوَسَطًا. أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ يَقُولُ: إِنَّهُ قُتِلَ بِحَقٍّ ; فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ وَيُفَرِّقَ الْجَمَاعَةَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ جَاءَكُمْ وَأَمْرُكُمْ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ " . قَالُوا: وَالْحُسَيْنُ جَاءَ وَأَمْرُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَأَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَهُمْ. وَقَالَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ: هُوَ أَوَّلُ خَارِجٍ خَرَجَ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ.
وَالطَّرَفُ الْآخَرُ قَالُوا: بَلْ كَانَ هُوَ الْإِمَامَ الْوَاجِبَ طَاعَتُهُ، الَّذِي لَا يُنَفَّذُ أَمْرٌ مِنْ أُمُورِ الْإِيمَانِ إِلَّا بِهِ، وَلَا تُصَلَّى جَمَاعَةٌ وَلَا جُمُعَةٌ إِلَّا خَلْفَ مَنْ يُوَلِّيهِ، وَلَا يُجَاهَدُ عَدُوٌّ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْوَسَطُ فَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ، الَّذِينَ لَا يَقُولُونَ لَا هَذَا وَلَا هَذَا، بَلْ يَقُولُونَ: قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا، وَلَمْ يَكُنْ مُتَوَلِّيًا لِأَمْرِ الْأُمَّةِ. وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ لَا يَتَنَاوَلُهُ، فَإِنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ مَا فُعِلَ بِابْنِ عَمِّهِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ تَرَكَ طَلَبَ الْأَمْرِ، وَطَلَبَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى يَزِيدَ ابْنِ عَمِّهِ، أَوْ إِلَى الثَّغْرِ، أَوْ إِلَى بَلَدِهِ، فَلَمْ يُمَكِّنُوهُ، وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَسْتَأْسِرَ لَهُمْ، وَهَذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ"اهـ.منهاج السنة النبوية (4/ 553 -554).
الأمر السادس : لم يأت في كلام الصحابة الذين خالفوه في رغبته الذهاب إلى العراق، أي إشارة إلى أن غرضه هو الخروج على ولي الأمر، وإلا لناصحوه بذكر الأحاديث التي تمنع من ذلك، فلما لم يأت عنهم مناصحته بذلك دل على أن أمر خروجه للعراق كان لغرض آخر، يريد منهم نصره فيه، والله اعلم.
الأمر السابع : لنفترض تنزلاً أنه خرج للعراق من أجل الخروج على ولي الأمر، فإن العبرة بالخواتيم ، فالذي آل إليه أمر الحسين بن علي هو عدم الخروج، وهذا ظاهر، فإنه أراد الرجوع أو الذهاب إلى يزيد للسلام عليه، أو الذهاب إلى الثغور وهذا ينبيء بأنه رجع عن الخروج ، وإنما يتم الاستدلال لو بقي على ما خرج من أجله، وهذا على فرض التسليم أن هذا كان غرضه من الخروج، رضي الله عنه.
والله الموفق!
وكذا لم يخرج ابن الزبير رضي الله عنه على ولي الأمر .
شبهة:
«لماذا تنكرون الخروج على أئمة الجور، وهذا ابن الزبير -رضي الله عنه- خرج على عبدالملك بن مروان؟»
فالجواب:
لم يخرج ابن الزبير على عبدالملك بن مروان، إنما استقل بولايته في زمن لم يوجد فيه من يلي الأمر، ويحدثنا عن هذا ابن تيمية رحمه الله فيقول:
«إن ابن الزبير لما جرى بينه وبين يزيد ما جرى من الفتنة واتبعه من اتبعه من أهل مكة والحجاز وغيرهما، وكان إظهاره طلب الأمر لنفسه بعد موت يزيد، فإنه حينئذ تسمى بأمير المؤمنين وبايعه عامة أهل الأمصار إلا أهل الشام؛ ولهذا إنما تعد ولايته من بعد موت يزيد، وأما في حياة يزيد فإنه امتنع عن مبايعته أوَّلا، ثم بذل المبايعة له فلم يرض يزيد إلا بأن يأتيه أسيرًا فجرت بينهما فتنة وأرسل إليه يزيد من حاصره بمكة، فمات يزيد وهو محصور، فلما مات يزيد، بايع ابن الزبير طائفة من أهل الشام والعراق وغيرهم.
وتولى بعد يزيد ابنه معاوية بن يزيد ولم تطل أيامه، بل أقام أربعين يومًا أو نحوها وكان فيه صلاح وزهد ولم يستخلف أحدًا؛ فتأمر بعده مروان بن الحكم على الشام ولم تطل أيامه.
ثم تأمر بعده ابنه عبد الملك وسار إلى مصعب بن الزبير نائب أخيه على العراق فقتله، حتى ملك العراق وأرسل الحجاج إلى ابن الزبير فحاصره وقاتله حتى قتل ابن الزبير، واستوثق الأمر بعبد الملك ثم لأولاده من بعده، وفتح في أيامه بخاري وغيرها من بلاد ما وراء النهر فتحها قتيبة بن مسلم نائب الحجاج بن يوسف الذي كان نائب عبد الملك بن مروان على العراق مع ما كان فيه من الظلم، وقاتل المسلمون ملك الترك خاقان وهزموه وأسروا أولاده، وفتحوا أيضا بلاد السند، وفتحوا أيضا بلاد الأندلس، وغزوا القسطنطينية وحاصروها مدة، وكانت لهم الغزوات الشاتية والصائفة"اهـ ( منهاج السنة النبوية (٤/ ٥٢٢-٥٢٤)).
مرسلة بواسطة الشيخ د. محمد بن عمر بازمول في 1:44 م
التسميات: شبهة والرد عليها
الثلاثاء، 16 يونيو، 2015
سؤال وجواب ٢١٠: كيف نرد على من يرى الطعن في ولاة الأمور بحجة خروج ابن الزبير على الحجاج؟
سؤال
«كيف نرد على من يرى الطعن في ولاة الأمور؛ بحجة خروج ابن الزبير على الحجاج؟».
الجواب:
ابن الزبير لم يخرج على عبدالملك بن مروان، الذي كان واليه الحجاج، إنما استقل بالحجاز لما اضطربت الأمور بالشام، ولم يكن واليا على المسلمين.
فهو لم يخرج بولايته على ولاية قائمة مستقرة.
وحرب عبدالملك له هي حرب بين واليين. دافع ابن الزبير عن ولايته.
ولم يراع عبدالملك أن ابن الزبير صحابي، بل امعن الحجاج في حربه حتى أصاب منجنيقه جدار الكعبة من جهة الميزاب في الجهة الشمالية.
ولم يقصدا -أعني عبدالملك والحجاج- ضرب الكعبة بالمنجنيق، ولكنها أصيبت؛ بسبب ضربهم لابن الزبير.
والله الموفق.
منقووووووووووول عن الأستاذ محمد بن عمر بازمول حفظه الله