كيان امرأة يتحدث عبر السطور، ويعبر عن روح تتهادى في انسجام، كخطوات الزمن الماضي، وكوقع المطر على صفحات الزجاج،
امرأة تدرك نكهة الحياة، وتفسر طلاسم الأحداث، وإشارات الدرب المبهمة، بعينين جريحتين تتحدى المصير، سلاحها القلب، ودرعها اليقين،
تتوارى في صمت، خلف زوايا المسافات المظلمة لكن النور الذي يسكنها يغمر أرجاء الكون، ويلون المساحات بريشة أنثى، لا تعرف المستحيل،
كلماتها كانت تتساقط في قلبي كقطرات المطر الهادر، تتلو قصتها كخطيب الجمعة، تهدر كالبحر الغاضب، ........
ظلموني يا ناعمة، قيدوني بالسلاسل، ........... وعندما غرقت، رموني................ لآخر شحاذ طرق الباب،....... وسالت دمعاتها الثكلى، ........
وغامت عيناها، لكن نظرتها الحرة بقيت صامدة قاهرة للألم،
-بعد أن تخرجنا، وكل واحدة منا مضت في طريقها، عينت في وظيفة مرموقة، ....... وكما تعلمين كنت المميزة في الوظيفة، ........ وكان لي حظا وافرا من الخطاب، ..... دق بابنا القريب والبعيد، وإخوتي يا ناعمة لا يقبلون، فكل خاطب في نظرهم طامع، في ورثي من أبي، أو راتبي الكبير، وبقيت أنتظر الرجل الذي سيقتنعون به، انتظرت طويلا، حتى قلت فرصي، وصارت الناس تتحاشى طرق بابنا، ...... مرت الأيام، والسنوات، وبات حظي نزرا يسيرا، وبات أهلي يتذمرون...... وكأنني السبب في عنوستي، ..... صار همي يكبر مع زواج فتيات العائلة الأصغر مني سنا،
وأنا أنظر، ووالدتي تتحسر علي، ...... ولتساعدني صارت تلمح للنساء من أقاربنا ومعارفنا بأننا بتنا مستعدون لقبول أي عريس ولن نعجزهم كما فعلنا سابقا،
لكن أحدا لم يحرك ساكنا، لم يتجرأ رجل على خطبتي، بعد كل المسرحيات الهزلية التي خاضها إخوتي في تشنيع الخطاب، وبعد كل الحكايات الملفقة التي نسبوها لهم، ليشوهوا سمعتهم في نظري، .........
كان إخوتي مستفيدون من راتبي، ومسيطرون على ميراثي، أكلوني حية ولم يبقوا مني شيئا، وعندما أفلست، تذمروا من وجودي وسموني العانس، الحاقدة التي تجلب النحس، تخيلي.......
فعندما يشب شجار بين أحدهم وزوجته، يعني أني حسدتهم، لأني أغار منهم، كوني لم أتزوج، وإن طلبت رفقتهم في السفر فلا محرم لي غيرهم، فهذا يعني أني متطفلة وغراب البين، وإن حاولت تسلية نفسي برفقة أبنائهم فيعني رغبتي في سرقتهم من أمهاتهم،
أصبحت شماعة الأخطاء، وخشخيشة الأطفال، ومتجر الأعذار، .......... فكل مشكلة هي لي ومني،
وأمي، وحدها أمي، كانت ملاذي، والتي تشعر بي وبعذابي، والتي حاولت بكل طاقتها إنقاذي، بطريقتها التي قد لا تعجبك، لكنها لم تكن تعرف دربا آخر،
بدأت يا صديقتي تدلل بي على الأسر، وتخطب لي الرجال، ....... تصوري،............
لا تعاتبيني،
إن كنت لا زلت تذكرين، عندما قلت لك ذات مرة: بأن الزواج ليس كل شي، وأني لن أتزوج إلا شخصا أحبه، عندما تحدثنا كثيرا عن طموحاتنا في الرجل، عندما قلت لك أني لن أتزوج إلا من رجل يعرف قيمتي، ويتوجني ملكة على عرش قلبه، ......... وأني سأبقى دائما ذات التاج،
سرقوه، سرقوا التاج، ....... وجعلوني خادمة في بيت أبي، ...... قد لا تصدقين، لكن بَرود ذات الوشاح المخملي، مرت بالغابة، وفقدت حذاءها الأنيق، وتمزق ثوبها الغالي، أما وشاحها فلا تذكر عند أي منعطف سرقته الأشجار الشائكة، ....... لم تعد أحلامي مغرورة كما كانت، تنازلت مع الأيام، وأصبح الفارس الذي حلمت به ذات يوم في سيارته الفخمة، لا مانع عندي لو مر على بيتنا حافيا، المهم أن أتزوج، .........
لم أكن أعلم بأن الزواج مهم للمرأة هكذا ...... لو علمت لكنت فعلت المستحيل لأتزوج من أحد خطابي السابقين ولتنازلت عن كل ميراثي طواعية لإخوتي ليتركوني في حالي،
المرأة تحتاج لرجل، ......... ليشبع لديها هاجس الحب، ويملئ فراغ القلب،
نتزوج، لنصبح حبيبات رجل ما، في هذا الوجود، وما أن نتزوج حتى نكتشف أن الرجل الوحيد الذي يحق لنا أن نحبه، لن يحبنا أبدا.......
وبعد أن يئست كل محاولات والدتي في العثور على زوج لي، بدأت أبحث لنفسي، ..... وصرت أتصيد الرجال، ياااااااااااه، بَرود تتصيد الرجال، أي ذل ذقته، ........
[color="rgb(139, 0, 0)"]أصبحت أنتقل من تجربة عاطفية إلى أخرى بهدف الزواج، لكني لم أسمح لأي علاقة بأن تتمادى، فأنت تعرفينني جيدا، فقط كنت أسمح لهم بمحادثتي لمرة، وأخبرهم أني أبحث عن زوج، ...... لكن كل من يحادث لا يرغب في الزواج، [/color]........
وجاءني بعد سنوات الجدب والعطش الطويلة، مطر، ....... زوجي الحالي، وأب أبنائي،
كان مطر ابن حارتنا، سافر منذ سنوات طويلة للخارج، ليدرس، لكن العالم الخارجي سلب لبه، فترك الدراسة وانصرف إلى اللهو، وبات يستدعي المال من أهله، حتى قضى على كل ما يملكون، وعندما عاد إليهم، عاد وبصحبته امرأة شقراء ادعى أنها زوجته، .......
فمرض والده مرضا شديدا، وأقسمت والدته بأن تتبرى من دمه إن لم يطلقها، ويتزوج إحدى نساء البلد، ....... فطلقها، كما قال للجميع، وهمت والدته بالبحث له عن عروس تليق بهم، واحدة منهم وفيهم، لكن أحدا لم يقبل به زوجا لابنته، بقيت تحاول كثيرا، حتى يئست، وكنت أنا خيارها الأخير، وجاءت تخطبني على مضض، فأنا أكبر من ابنها، والعانس بلا مال، ودينها البنكي يكاد يرافقها مدى العمر، .......
لكن قدومها أحدث فرحة كبيرة في كل أرجاء البيت، الجميع دونما استثناء استبشروا ورحبوا بها، وحملوها على أكف الراحة، أشعروها بالكرم الكبير الذي تكرمت به علينا بتلك الزيارة، وكادوا أن يقبلوا قدميها شكرا وعرفانا، وبلا مقدمات ولا شكليات، وافق الجميع، واقترحوا تعجيل الدخلة، .....
فالكل يرغب في الإحتفال..... حتى أنا يا صديقتي، كنت مستعجلة، لم أكن أفكر في أي شيء، سوى أن أصبح عروسا ليوم واحد، ثم فلتنهار الدنيا بأسرها فوق رأسي لا مشكلة، المهم أن أنجو من ذل العنوسة، ........... منطق غريب، لم تعتاديه مني، لكنه الواقع، ولهذا ابتعدت عنك وعن كل صديقاتي فحين تزوجتن جميعا الواحدة تلو الأخرى، ....... أحسست بالنقص .....
[color="rgb(139, 0, 0)"]وشخصيتي الشامخة التي طالما تعودت عليها تقوضت، وتقهقرت مع الأيام، وصرت شحاتة، ......أتسول خيال رجل في ثوب أخي المعلق على الشماعة، ........
[/color]
كنت سعيدة، وأتخيل كيف سأقضي أول يوم معه، وأنا لأول مرة سأكون بصحبة رجل غريب وحدنا، وأفكر ماذا سأقول له، وكيف سأتصرف، ......... وفي غمرة أحلامي وانفعالاتي، رن جرس الهاتف في البيت، وصدف أن أرد بنفسي،
-ألو....
-ألو، السلام عليكم، ممكن أكلم بَرود
-أنا بَرود، من معي،
-مطر، كيف حالك،.....؟؟
-بخير، كيف حالك أنت ( وفرحت ورفرف قلبي من السعادة، تراه اتصل ليسمع صوتي، ويحدثني عن اجراءات الزواج، كم هذا ممتع)
-بخير، أريد أن أتحدث إليك بصراحة، أتمنى أن تتفهمي موقفي، أولا أشكر موافقتك على الإقتران بي، فهذا يسعدني، لكني وللأسف مرتبط عاطفيا بزوجتي السابقة، وقد أعدتها في السر، ولا أنوي الزواج من أخرى، ستقدمين لي خدمة كبيرة لو رفضتي الزواج بي، رجاء، فأنت تعلمين بأن والدتي عنيدة، ولا أستطيع رفض طلبها، أسعى لأن أجعلها يائسة، لتقبل أخيرا بزوجتي، حبيبة قلبي جوليا، هل تساعديني رجاء، أنا لا أحب سواها.
نزلت كلماته على رأسي كالصاعقة، حطمتني بعنف، وجعلتني كهشيم الخبز، ........ كبرادة الحديد، ...... كرمل الجبال الحالي، ...........
قتلتني كلماته، ودمرت آخر ما تبقى لي من كرامة، مزقتني ياصديقتي، بقيت صامتة لا أعرف ماذا أقول، لا يمكن أن يكون الظرف قاسيا هكذا، لايمكن أن أحتمل كل هذا العذاب في وقت واحد، يا ناعمة أذلتني الظروف حتى فقدت هويتي، ولم أعد أعرف من أنا.....
أغلقت سماعة الهاتف، بعد أن ودعت فرصة السعادة الوحيدة التي لا حت أمامي منذ سنوات، ومضيت نحو غرفة المعيشة حيث تجلس أمي مع زوجات إخوتي، يتحدثون عن ليلة الزفاف، ويعدون الإجراءات، اقتربت من أمي، وقلت لها أريد أن أتحدث إليك، ........
-خير فديتج تكلمي،
-على انفراد يا أمي .....
-إن شاء الله سيري حجرتج وياية وراج.......
دخلت والدتي الغرفة، وكانت لأول مرة تبدو بصحة جيدة، كنت أرمقها بانكسار، كيف سأشرح لها سبب رفضي، أظنها ستموت بين يدي،
حبيبتي، غاليتي أمي، قد أحتمل أن أبقى عانسا طوال العمر، وأعيش وأتأقلم، لكن كيف أجعلك لا تقلقين بشأني، قلت لها: هل أنت مرتاحة لهذا الخاطب،...؟؟؟
نظرت لي بهلع: (( عيوني فديت عمرج، لا تترددين أريد أطمن الغالية عليج، دخيلج دخيل روحج، تراني ما بتم لج دوم، أريد أطمن عليج، في بيت زوجك، لا تحرميني، الرياييل كلهم واحد، وأنت وشطارتج بتعدلينه، حبيبتي، اسم الله عليج، حسد وعين وصابتج، تعالي الغالية برقيج، ايلسي خلني اقرا عليج المعوذات........))
تتوقعين أني بالقسوة التي تدفعني لتحطيم حلمها...
تعتقدين أني أتجرأ على فطر فؤادها، لم أستطع،
وانسحبت نحو غرفتي متصنعة الفرح، ......... واختبأت هناك أنعي حظي، وتذكرت وجه والدي، وبكيت حتى الصباح،
وعندما بزغ ضوء الشمس، كنت قد تحولت، ........ من فراشة جميلة، إلى بزاقة مزارع لزجة، تتقن الإلتصاق، .....!!!!
وقررت أن أمتهن البلادة، وألبس ثوب الغبيات الثقيلات، ..........
وعندما اتصل في مساء اليوم التالي:
ـ هل أخبرتهم،......؟؟
-لم أتجرأ..... فظرفي أصعب من ظرفك، أمي قد تموت، فأنت كما ترى فرصة ...... لعانس مثلي.
-هل تتزوجين من شخص يقول لك بأنه يحب امرأة أخرى،
-لا خيار،
-أي النساء أنت، قلت لك أحب زوجتي السابقة، وسأعيدها حالما تحين الفرصة، وهذا الزواج لن يتم، وسأتركك في يوم الزفاف وحيدة على الكوشة،
-إفعل ما شئت، .......... أنت الرجل حدث والدتك .......
-هل يعقل، لا أصدق ما أسمع، هل بلغ بك اليأس لتتزوجي من رجل يعلن لك رفضه لهذا الزواج، وحبه لامرأة أخرى، .........
- أمي يا مطر لن أقتلها.............
وتم الزواج وهو حاقد علي كل الحقد، ويتوعدني بالذل والهوان، ................... لماذا تحدقين في وجهي، هل بقي في وجهي ماء تتفرسين فيه، لقد سال كل الماء، وانسلخت من جلدي، وأضعت كرامتي في متاهات، ....... لا أعرف من أدخلني فيها، فأنت تعرفين أني لا أحب المتاهات، وحدك تدركين، كم كنت أتحاشى اللعب في متاهات الحدائق، تذكرين كيف كنت أمنطقها،
المتاهة حجرة نضيع فيها الأوقات، والأوقات أعجوبة، تتباطأ في المتاهات.
- ما الذي جرك لكل هذا اليأس، في أي سن تزوجت......؟؟
- في التاسعة والعشرين، .............. لم يكن السن هو السبب، بل الأجواء التعيسة التي أحاطت بي، هي التي دفعتني لكل ذلك اليأس، لي قرينات لم يتزوجن حتى الآن، لكنهن لازلن يحلمن بالزوج المثالي، أنا فقط عانيت ظروفا دفعتني لتسول الزوج.