
فى قوله تعالى (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمن فقد ضل سواء السبيل)
نهى الله تعالى فى هذه الأية الكريمة عن كثرة سؤال النبى (صلى الله عليه وسلم) عن الأشياء قبل كونها , أى : وأن تسألوا عن تفصيلها بعد نزولها تبين لكم , ولا تسألوا عن الشىء قبل كونه , ولهذا جاء فى الصحيح "إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شىء لم يحرم , فحرم من أجل مسألته "
ولما سئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الرجل يجد مع امرأته رجلا , فإن تكلم تكلم بأمر عظيم , وإن سكت سكت عن مثل ذلك , فكره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المسائل وعابها
وفى صحيح مسلم " ذرونى ما تركتكم , فإنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم , وإختلافهم على أنبيائهم , فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم, وإن نهيتكم عن شىء فاجتنبوه " وهذا انما قاله بعد ما أخبرهم أن الله تعالى كتب عليهم الحج , فقال رجل أكل عام يارسول الله ؟ فسكت عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثلاثا,ثم قال عليه السلام : " لا , ولو قلت نعم , لوجبت , ولو وجبت لما استطعتم " ثم قال : " ذرونى ما تركتكم" ...
والمراد منها كما قال بعض المفسرين : أى بل تريدون , أو هى على بابها فى الإستفهام , وهو انكارى , وهو يعم المؤمنين والكافرين , فإنه عليه الصلاة و السلام رسول الله الى الجميع...
والمراد أن الله تعالى ذم من سأل الرسول (صلى الله عليه وسلم)
عن شىء على وجه التعنت والإقتراح , كما سألت بنو اسرائيل , موسى عليه السلام , تعنتا وتكذيبا وعنادا ,
قال الله تعالى (ومن يتبدل الكفر بالإيمان) أى : من يشتر الكفر بالإيمان (فقد ضل سواء السبيل) أى : فقد خرج عن الطريق المستقيم , الى الجهل والضلال , وهكذا حال الذين عدلوا عن تصديق الأنبياء واتباعهم والإنقياد لهم , الى مخالفتهم وتكذيبهم والإقتراح عليهم الأسئلة التى لا يحتاجون اليها , على وجه التعنت والكفر...
وفى قوله تعالى (ود كثير من أهل الكتب لو يردونكم من بعد إيمنكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتى الله بأمره إن الله على كل شىء قدير)
يحذر الله تعالى عباده عن سلوك طرائق الكفار من أهل الكتاب , ويعلمهم بعداوتهم لهم فى الباطن والظاهر , وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين , مع علمهم بفضلهم وبفضل نبيهم ,
ويأمر عباده المؤمنين بالصفح والعفو والإحتمال , حتى يأتى أمر الله تعالى من النصر والفتح...
كما قال محمد بن اسحاق عن ابن عباس : أن حيى بن أخطب و أبو ياسر بن أخطب من أشد اليهود للعرب حسدا, اذ خصهم الله تعالى برسوله (صلى الله عليه وسلم) وكانا جاهدين فى رد الناس عن الإسلام ما استطاعا , فأنزل الله تعالى (ود كثير من أهل الكتب لو يردونكممن بعد إيمنكم) والله تعالى أعلى وأعلم...
(كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) أى : من بعد ما تبين لهم أن محمدا (صلى الله عليه وسلم) يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل , فكفروا به حسدا وكفرا , إذ كان من غيرهم ...
وقوله تعالى (فاعفوا واصفحوا حتى يأتى الله بأمره) قال ابن أبى حاتم أن أسامة بن زيد أخبر : أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان هو وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب , كما أمرهم الله تعالى بذلك , ويصبرون على الأذى وكان هذا أمر الله تعالى لرسوله والمؤمنين حتى أذن الله تعالى فيهم بقتل , فقتل الله تعالى به من قتل من صناديد قريش (إن الله على كل شىء قدير) فإن الله تعالى على كل شىء قدير ...
وفى قوله تعالى (وأقيموا الصلوة وءاتوا الزكوة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير)
يحث الله تعالى على الإشتغال بما ينفعهم وتعود عليهم عاقبته فى الحياة النيا ويوم يقوم الأشهاد , من إقام الصلاة وايتاء الزكاة وفعل كل ما هو خير ويرضى الله تعالى , حتى يمكن لهم النصر فى الدنيا والأخرة , ولهذا قال تعالى (إن الله بما تعملون بصير) يعنى : أن الله تعالى لا يغفل عن عمل عامل منكم سواء كان خيرا أو شرا , فإنه سيجازى كل عامل بعمله...
وأنكم مهما عملتم من خير أو شر , سرا أو علانية , فإن الله تعالى به بصير لا يخفى عليه منه شيئا ,فيجزيهم بالإحسان خيرا , وبالإساءة مثلها ...
ففى هذهالأية الكريمة وعدا ووعيدا وأمرا وزجرا , وذلك أنه أعلم القوم أنه بصير بجميع أعمالهم , ليجدّوا فى طاعة الله تعالى ولهذا قال تعالى (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير) ..