![](http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1324902899_436.gif)
فى قول الله تعالى
(واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفعة ولا هم ينصرون )
يقول الله تعالى , اتقوا اليوم وهو يوم القيامة التى لا تحاسب نفس عن نفس , كل عامل سيجازى على عمله , ويحاسب بما فعل فى الدنيا , ولا يظلم الله أحدا ...
ويقول الله تعالى ( وإذ ابتلى ابرهيم ربه بكلمت فأتمهن قال إنى جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتى قال لا ينال عهدى الظلمين )
يقول الله تعالى منبها على شرف خليله إبراهيم (عليه السلام) أن الله تعالى جعله إماما للناس يقتدى به فى التوحيد , حتى قام بما كلفه الله تعالى به من الأوامر والنواهى , ولهذا قال (وإذ إبتلى إبرهيم ربه بكلمت) أى : وأذكر يا محمد لهؤلاء المشركين وأهل الكتابين , الذين ينتحلون ملة إبراهيم (عليه السلام) وليسوا عليها وإنما الذى هو عليها مستقيم فأنت والذين معك من المؤمنين , أذكر لهؤلاء إبتلاء الله تعالى لإبراهيم (عليه السلام) أى : إختباره له بما كلفه من الأوامر والنواهى (فأتمهن) أى قام بهن كلهن ,
وقوله تعالى (بكلمت) أى بأوامر وشرائع ونواهى , والكلمات فيطلق عليها كلمات قدرية , ومنهم من قال أنها كلمات شرعية , وهى إما خبر صدق , وإما طلب عدل إن كان أمرا أو نهيا ,
وقد إختلف العلماء فى تفسير الكلمات التى اختبر بها الله تعالى الخليل إبراهيم (عليه السلام) , وعن ابن عباس أنها المناسك ,
وقال عبد الرزاق عن معمر عن ابن عباس , أن الكلمات تعنى هنا الطهارة
أى ابتلاه الله تعالى بالطهارة , وهذا القول حسب تفسير ابن كثير قريب مما
ثبت فى صحيح مسلم , عن عائشة رضى الله عنها , قالت , قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " عشر من الفطرة : قص الشارب , وإعفاء اللحية , والسواك , وإستنشاق الماء , وقص الأظافر , وغسل البراجم , ونتف
الإبط , وحلق العانة , وإنتقاص الماء " قال مصعب , ونسيت العاشرة , إلا أن تكون المضمضة, وقال وكيع (إنتقاص الماء) يعنى : الإستنجاء...
وقال محمد بن اسحاق عن ابن عباس : قال , الكلمات التى إبتلى الله تعالى ابراهيم (عليه السلام) فأتمهن , فراق قومه فى الله , حين أمر بمفارقتهم , ومحاجته نمروذ فى الله , حين وقفه على ما وقفه من خطر الأمر الذى فيه خلافه , وصبره على قذفه إياه فى النار ليحرقوه , فى الله على هول ذلك من أمرهم , والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده , فى الله حين أمره بالخروج عنهم , وما أمره به من الضيافة والصبر عليها بنفسه وماله ,
وما ابتلى به من ذبح ابنه حين أمره بذبحه , فلما مضى على ذلك , من الله
كله وأخلصه للبلاء, والأقوال كثيرة فى تفسير هذه الكلمات التى ابتلى الله تعالى بها خليله ابراهيم (عليه السلام) والله تعالى أعلى وأعلم...
وقوله تعالى (إنى جاعلك للناس إماما) أى جزاء على ما فعل , كما قام بالأوامر وترك الزواجر , جعله الله تعالى للناس قدوة وإماما يقتدى به ويحتذى حذوه...
وقوله تعالى (ومن ذريتى قال لا ينال عهدى الظلمين) أى: لما جعل الله ابراهيم إماما , سأل الله أن تكون الأئمة من بعده من ذريته , فأجيب إلى ذلك وأخبر أنه سيكون من ذريته ظالمون , وأنه لا ينالهم عهد الله , ولا يكونون أئمة فلا يقتدى بهم , وأما من كان منهم صالحا , فسأجعله إماما يقتدى به , أى أن ليس للظالمين عهد , وإن عاهدته فانتقضه...
والدليل على أنه أجيب إلى طلبته قول الله تعالى فى سورة العنكبوت (وجعلنا فى ذريته النبوة والكتب) (العنكبوت : 27) فكل نبى أرسله الله تعالى وكل كتاب أنزله الله تعالى بعد ابراهيم (عليه السلام) ففى ذريته صلوات الله وسلامه عليه ,وأقوال المفسرين كثيرة والله تعالى أعلى وأعلم...
![](http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1324841409_418.gif)
وفى قول الله تعالى (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبرهيم مصلى وعهدنا إلى إبرهيم وإسمعيل أن طهرا بيتى للطائفين والعكفين والركع السجود)
قال العوفى عن ابن عباس , فى قوله تعالى (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس)
يقول : لا يقضون منه وطرا , يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه.
أى يثوبون إليه ثم يرجعون , و(أمنا) أى أمنا للناس , وأمنا من العدو ,وأمنا من أن يحمل فيه السلاح ,
ومضمون ما ذكر المفسرون فى هذه الأية : أن الله تعالى يذكر شرف البيت
وما جعله موصوفا به شرعا وقدرا من كونه مثابة للناس , أى : جعله محلا تشتاق اليه الأرواح وتحن اليه , ولا تقضى منه وطرا , ولو ترددت اليه كل عام , استجابه من الله تعالى لدعاء خليله ابراهيم (عليه السلام) فى قوله
(فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم) إلى أن قال (ربنا وتقبل دعاء) (ابراهيم : 37إلى الأية 40) ويصفه تعالى أنه جعله أمنا , من دخله أمن
ولو كان قد فعل ما فعل ثم دخله كان آمنا ...
وفى هذه الأية الكريمة , نبه الله تعالى على مقام ابراهيم مع الأمر بالصلاة عنده فقال (واتخذوا من مقام إبرهيم مصلى) وقد اختلف المفسرون فى المقام ما هو ؟ فقال ابن أبى حاتم عن ابن عباس : قال مقام ابراهيم الحرم كله
وروى عن مجاهد وعطاء مثل ذلك...
وقال ابن أبى حاتم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح عن ابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه , سمع جابرا يحدث عن حجة النبى (صلى الله عليه وسلم) قال : لما طاف النبى (صلى الله عليه وسلم) قال له عمر :
هذا مقام أبينا ابراهيم ؟ قال : نعم , قال : أفلا نتخذه مصلى ؟ فأنزل الله تعالى (واتخذوا من مقام إبرهيم مصلى) والله أعلى وأعلم...
وقال ابن جرير عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال " استلم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الركن , فرمل ثلاثا , ومشى أربعا , ثم تقدم إلى مقام ابراهيم فقرأ (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى) فجعل المقام بينه وبين البيت , فصلى ركعتين " وهذا قطعة من الحديث الطويل الذى رواه مسلم فى صحيحه..
فهذا كله مما يدل على أن المراد بالمقام إنما هو الحجر الذى كان ابراهيم عليه السلام يقوم عليه لبناء الكعبة , لما ارتفع الجدار أتاه اسماعيل (عليه السلام) به ليقوم فوقه ويناوله الحجارة فيضعها بيده لرفع الجدار , كلما كمل ناحية انتقل الى الناحية الأخرى , يطوف حول الكعبة وهو واقف عليه , حتى تم جدارات الكعبة , وكان المقام أولا ملتصقا بالكعبة وأن أول من أخره هو عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) ...
وقوله تعالى (وعهدنا إلى إبرهيم وإسمعيل أن طهرا بيتى) قال الحسن البصرى , أمرهما الله تعالى أن يطهراه من الأذى والنجس ولا يصيبه من ذلك شىء , وعن ابن عباس : أى طهراه من الأوثان , وقال مجاهد : أى طهراه من الأوثان والرجس والرفث وقول الزور ,
وقال ابن أبى حاتم عن قتاده , أى : طهراه بلا إله إلا الله من الشرك...
وقوله تعالى (للطائفين والعكفين والركع السجود) فالطائفين فالطواف بالبيت معروف , وقال سعيد بن جبير يعنى : من أتاه من غربة
(والعكفين) أى : المقيمين فيه , وقال وكيع عن ابن عباس : إن كان جالسا فهو من العاكفين والله تعالى أعلى وأعلم...
وقوله تعالى (والركع السجود) فقال وكيع عن ابن عباس : قال : إذا كان مصليا فهو من الركع السجود ,
وقال ابن جرير رحمه الله فمعنى الأية : وأمرنا ابراهيم واسماعيل بتطهير بيتى للطائفين , والتطهير الذى أمرهما به فى البيت هو تطهيره من الأصنام وعبادة الأوثان فيه ومن الشرك , وأن يبنيا الكعبة على اسمه وحده لا شريك له , للطائفين به والعاكفين عنده , والمصلين اليه من الركع السجود ,
وفى ذلك رد على من لا يحجه من أهل الكتابين : اليهود والنصارى , لأنهم
يعتقدون فضيلة الخليل ابراهيم وعظمته , ويعلمون أنه بنى هذا البيت للطواف
فى الحج والعمرة وغير ذلك وللاعتكاف والصلاة عنده , وهم لا يفعلون شيئا من ذلك , فكيف يكونون مقتدين بالخليل , وهم لا يفعلون ما شرع الله له ؟
وقد حج البيت موسى بن عمران وغيره من الأنبياء عليهم السلام , كما أخبر بذلك المعصوم , الذى لا ينطق عن الهوى (إن هو إلا وحى يوحى) (النجم : 4) والله تعالى أعلى وأعلم ...
![](http://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1324996691_568.gif)