السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخواتي هذا موضوع في غاية الأهميةأحببت أن تطلعن عليه لأنه قد استشرى بين المسلمين بشكل لا يُرضي الله ..أرجوا من كل من تدخل أن تقرأءه إلى النهاية
فلقد جمعت لكن ما يصب في صلب هذا الموضوع الهام ...
لا بد أننا نتساءل عن بعض المفاهيم الواردة لدينا من الغرب ونقف عندها لنحللها ونعرف هل هي تطابق واقعنا كمسلمين ؟؟؟
من مظاهر التبعية التي يعيش فيها العالم الإسلامي التبعية في مجال المصطلحات، وهذه التبعية تعد أساس عديد من المشكلات والأزمات في عالمنا الإسلامي.
فترجمة المصطلحات والتعبيرات الغربية ونقلها بما تحتويه من مفهومات وقيم نقلاً كاملاً حرفيا يشكل مصدر تهديد كبير للعقيدة والقيم والأخلاق والهوية الإسلامية، والمشكلة هنا أن بعض الناس لا يميز بين ما يصح نقله من المصطلحات والتعبيرات حرفياً دون تغيير وما لا يصح، فيستعملون المصطلح الغربي بما فيه من قيم مخالفة لقيمنا ومعايير تضاد معاييرنا الإسلامية، ويتم التعامل مع مشكلات المجتمع من خلال هذا المصطلح الغربي المستورد، وعبر معاييره ودلالاته، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تصادم حتمي بين قيمنا ومعاييرنا الدينية الإسلامية، وبين معايير وقيم هذا المصطلح الغربي.
ولما كان استعمال بعض المصطلحات الغربية قد وصل إلى أن صار قيمة مسلّماً بها بسبب كثرة الاستعمال، فإن بعض الناس تتحول نظرته إلى القيم الإسلامية إلى نظرة عدائية استنكارية، ويرى فيها قيماً رجعية . . إلى آخر هذه النظرة المعروفة من المتغربين.
والغريب في هذه المشكلة هي الفوضى التي تحدث في أوساط المسلمين أمام هذه المصطلحات الغربية الوافدة أو المستوردة، إذ تتعدد الاتجاهات والمواقف من هذه المصطلحات، ولكن للأسف الشديد أن غالب هذه المواقف واقع تحت أسر المصطلح، لأنه لا يفكر إلا في كيفية التكيف مع هذا المصطلح الغربي، وليس كيف يضع مصطلحاً جديداً يتوافق مع الإسلام أو يستعمل المصطلحات الإسلامية الموجود فعلاً، والتي فيها كفاية وغناء عن استيراد مصطلحات غربية.
وبهذا صارت التبعية للمصطلح الغربي ذات صور متعددة، من أكثرها سوءاً تلك التي يؤمن أصحابها بالمصطلح الغربي ويحاكمون على أساسه المصطلح الإسلامي أو الواقع الإسلامي مثل مصطلح (القومية) و (الوطنية) و (الأصولية) و (الليبرالية) و (الثيوقراطية).
وبعض الناس يحاول أن يعادل أو يوفق بين مصطلحات غربية تخالف مدلولاتها ديننا الإسلامي، بمصطلحات إسلامية، وذلك كمن يساوي بين مصطلح (الديمقراطية) ومصطلح (الشورى).
وبعض الناس يحاول أسلمة المصطلحات الغربية بطريقة ساذجة، وذلك بإضافة كلمة إسلامي كوصف نوعي للمصطلح الغربي، فيقول (اليسار الإسلامي)، (الاشتراكية الإسلامية) أو (اشتراكية الإسلام).
والمصطلحات المنقولة عن غير المسلمين تكون:
1 - مصطلحات لا تتعلق بالدين والمجتمع, كالمصطلحات الخاصة بعلوم الطبيعة كالكمياء والفيزياء والطب ومصطلحات التقنية، وما شابه ذلك.
2 - ومصطلحات تتعلق بالدين والأخلاق والمجتمع وبجوانب الحياة.
وينبغي – في رأيي - أن يكون موقفنا من هذه المصطلحات على ثلاثة أحوال:
1- قبول المصطلحات ونقلها كما هي دون تغيير: ما دامت لا تمس ديننا الإسلامي أو الأخلاق أو المجتمع، مثل المصطلحات الطبية أو الكميائية وما شابه ذلك، ويدخل فيها المصطلحات الخاصة بشؤون غير المسلمين لأنها مصطلحات تعبر عن واقع يوصف كما هو ما دام لا يؤثر ذلك على قيمنا.
2 - تعديل المصطلحات، سواء في اللفظ أو في المفهوم: وهي التي فيها ما هو حق وما هو باطل بحسب معاييرنا الدينية والأخلاقية, مثل كثير من المصطلحات الاجتماعية، والسياسية ، والاقتصادية، وهذه تحتاج إلى تعديل في اللفظ، أو تعديل في المفهوم، أو فيهما جميعاً.
3 - مصطلحات نرفضها كلية ولا نستعملها: إلا في سياق حكاية واقعهم والتعريف به ودراسته أو نقده، لأنها تناقض ديننا وقيمنا، ولا تعبر عن واقعنا ولا أخلاقنا، وهذه إما أن نستعمل بدلاً منها مصطلحاتنا الخاصة بنا إن وجدت، وإما أن نبتكر المصطلح البديل، والذي يعبر عن قيمنا الدينية والأخلاقية.
ومصطلحات (الثقافة الجنسية) و (التربية الجنسية) و (الإعلام الجنسي) و (الأمراض الجنسية) من المصطلحات أو التعبيرات التي أرى أننا, نحن المسلمين, يجب أن نتجنبها، ونعدل عنها إلى المصطلحات أو التعبيرات الإسلامية، التي تعبر عن هذه القضية دون الإخلال بمفهوماتنا الدينية والأخلاقية.
فمصطلح (الثقافة الجنسية) ومثله (التربية الجنسية) يعبر عن جانب من واقع الحياة الغربية في قضية شهوة الجماع والعلاقة بين الرجل والمرأة، ومعروف مدى التردي الذي وصلت إليه الحياة الغربية في هذا الجانب على مدى التاريخ الغربي وحتى يومنا هذا.
وهذا المصطلح جاء رد فعل لهذا الواقع المتردي، حيث تزداد المخاوف من عواقب الحياة التي تعدت مفهوم الحياة البهيمية إلى الحياة الشيطانية في علاقة الرجل بالمرأة في الغرب، هذه العواقب التي تتمثل في الأمراض الكثيرة التي تقترن بالممارسات غير الشرعية لشهوة الجماع وعلاقة الرجل بالمرأة, بل علاقة الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة هناك.
فيأتي هذا المصطلح (الثقافة الجنسية) و (التربية الجنسية) ليعبر عن المعلومات والمعارف والاحتياطات التي ينبغي لكل شخص، رجلا وامرأة، مراهق ومراهقة، شاب وشابة، أن يعرفها ليتجنب المخاطر التي تتنتج عن الممارسات الشيطانية لشهوة الجماع، ومن ثم يتفرع الحديث عن ممارسات ما قبل الزواج، والإجهاض، وغير ذلك مما يعد من الممارسات الخاطئة للشهوة وعواقبها.
فمفهوم (الثقافة الجنسية) هو رد فعل للعقدة التي لدى الخواجة، والذي يكسر أبواب الشهوة وييسر أسباب الرذيلة في المجتمع، ثم يبحث بعد ذلك عن علاج ما نتج من عواقب اجتماعية وصحية، كما حدث منذ قرون حين انتشرت خيانة الزوجة لزوجها في أنحاء أوروبا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، فابتكروا ما يسمى (طوق فينوس) تلبسه المرأة في وسطها وبه قفل, يبقى مفتاحه مع الزوج حين يرحل أو يسافر، لكنه لم ينجح في بقاء العفة ولا قلل من انتشار الفواحش، إذ تحايلت الفاسقات على هذه الفكرة، وصار الناس يتندرون بفكرة وجود مفتاح ثان للطوق، ونلاحظ هنا انتشار الفساد بين الرجال والنساء في أوروبا، وما كانت تعيشه المرأة من إهانة وإذلال وطعن في صدقها وشرفها.
وفي عصرنا هذا لما انتشرت الفواحش في الحياة الغربية انتشار النار في الهشيم، وانتشرت معها عدد من الأمراض التناسلية، ظهرت فكرة (الثقافة الجنسية)، لتواجه الأضرار الناجمة عن انتشار الفواحش وجرائم العرض، وظهرت فكرة تدريس هذه الثقافة في المدارس بدءا من المراحل التعليمية الأولى وما بعدها، نظراً لوجود الاختلاط بين الجنسين في المدراس في جميع المراحل الدراسية، وكثرة جرائم العرض بين المراهقين والمراهقات كنتيجة حتمية لهذا الاختلاط.
وعلى الرغم من ذلك لم تفعل هذه الثقافة شيئاً، فلا هي قاومت انتشار الفواحش، ولا حدت من جرائم العرض هناك، والسبب هو خواء هذه النفوس من رادع ديني، ولو في أدنى مستوياته، يحد من من انتشار هذا الفساد، ويكون منطلقاً للوعظ والإرشاد والنصح والتوجيه والتربية، فضلاً عن الملاحظات التي تذكر في كيفية تدريس هذه الثقافة المعزولة عن الدين والأخلاق وطريقة تربية الأجيال عليها في مراحل التعليم.
أما العقدة التي لدينا من الخواجة، فحين ننظر إلى عالمنا الإسلامي، وعلى المستوى العربي على وجه الخصوص، نجد أن هذا المصطلح قد انتقل إلى إعلامنا ومجتمعاتنا وانتشر كما هو، وصار بعض الناس ينادي بنشر (الثقافة الجنسية) و (التربية الجنسية) في المجتمع، وبعضهم طالب بتقريرها في مناهج الدراسة مستعملاً هذا المصطلح، ومنهم من يؤلف أو يكتب في هذه القضية ويسمي كتابه مثلاً (التربية الجنسية) ، أو (الثقافة الجنسية)، وانتشر المصطلح في مواقع على الإنترنت أو في وسائل الإعلام الأخرى، ومضمون هذه المؤلفات أو المواقع في كثير منه مترجم عن كتب أو مواقع غربية، بما فيها من مفهومات وقيم وعبارات خاصة بواقعهم المنحرف.
وأقول إن خطر استخدام هذا المصطلح أو التعبير في توعية الأجيال بشهوة الجماع وفهمها وكيفية التعامل معها، وخصوصاً المراهقين والمقبلين على مرحلة الزواج، أنه يعزل هذه القضية، أي شهوة الجماع، عن السياق الصحيح لها، وهو سياق الحياة الزوجية الشرعية، ليجعلها مسألة لا ترتبط بمقدسات ولا قيم ولا أخلاق ولا أهداف، ويجعلها، بهذه الطريقة في التناول والعرض والتسمية، ثقافة (جنسية) مجردة، المهم فيها أن تعرف كيف تحافظ على نفسك وتتخذ الاحتياطات اللازمة للوقاية من أضرارها.
وهذا لا شك تدمير للمجتمع، حين ترسخ لدى الأجيال شهوة الجماع بهذه الصورة بعيداً عن مكانها الشرعي الصحيح، لأن عرض هذه القضية في مادة أو (ثقافة) بعيداً عن السياق الديني والأخلاقي يأتي بتصورات لا تُحمد عقباها على الشبان والشابات، إذ يجعلها مثيراً للشهوة, ومطلقاً لها من عقالها، ومخرجاً لها عن حدودها الطبيعية الفطرية إلى ممارسات منحرفة قد تصل إلى حد ارتكاب الجرائم والفواحش.
هذه الشهوة استوفى ديننا فيها التربية والتزكية والتثقيف والتهذيب في كل جانب حتى أدق التفاصيل، وبيّن علماء الإسلام كل ما يتعلق بشهوة الجماع،
لكنهم لم يعزلوها عن سياقها الصحيح, وهو فقه الزواج الشرعي وآدابه وأخلاقه، لأن قضاء هذه الشهوة في غير الزواج الشرعي ليس مجرد مسألة (جنسية), وإنما هي كما سماها الدين (زنا) أو (فاحشة)، وتقع حين ذاك في دائرة الكبائر.
وحين تحدث العلماء المسلمون عن هذه الشهوة تحدثوا بأسلوب راق مهذب جذاب شيق.. يعرض ويعالج ويخاطب النفس ويناقشها ويبصرها بالصواب والخطأ، وهو ما لا يمكن أن تجد مثله في كتاب غربي.
وقد استعملوا في ذلك تعبيرات مثل: آداب المعاشرة – ومنها آداب الجماع, كما في إحياء علوم الدين للغزالي، ومنها آداب النكاح كما في غذاء الألباب للسفاريني، أو أدرجوا الحديث عنها تحت حقوق الزوج وحقوق الزوجة في غير ذلك من الكتب الإسلامية.
وهنا أقول إن المصطلح أو التعبير البديل لمصطلح (الثقافة الجنسية) و (التربية الجنسية) هو (آداب المعاشرة الزوجية ، أو آداب النكاح، أو آداب الجماع، أو آداب الدخول، آداب الزفاف، أو مفهوم التناسل) وغير ذلك، هكذا في سياق مفهوم الزواج الشرعي وفقهه وآدابه.
كما يمكن أن يتم عرض الأمراض الصحية ومشكلاتها في هذه القضية تحت مسمى (الأمراض التناسلية)، كما كان هذا مستعملاً وشائعاً من قبل، لا كما انتشر الآن في وسائل الإعلام بالتعبير عن ذلك بـ (الأمراض الجنسية) و(المشكلات الجنسية).
ومن المهم أن يضاف كل ما هو جديد من المعارف والنصائح الطبية والعلمية التي تتعلق بالزواج والجماع، إلى ما لدينا من ثروة أخلاقية نابعة من الكتاب والسنة، لكن تحت مصطلحات وتعبيرات نابعة من تراثنا الأخلاقي، وسياق قائم على أحكام شرعنا الإسلامي، وذلك مثل (آداب المعاشرة الزوجية، أو آداب النكاح)، وغيرها كما سبق.
وقد جمع بعض علمائنا بين الأحكام الشرعية والنصائح الطبية وحكم العقلاء وتجارب الحياة، كما في كتاب (زاد المعاد) لابن القيم رحمه الله تعالى، وهو من أحسن الكتب كلاماً عن تهذيب شهوة الجماع والتثقيف فيها والتربية عليها، وذلك في الجزء الرابع تحت فصل (فى الجِماع والباه وهَدْى النبى صلى الله عليه وسلم فيه), وقد قال في أوله: (وأما الجِماعُ والباهُ ، فكان هَدْيُه [صلى الله عليه وسلم] فيه أكملَ هَدْىٍ ، يحفَظ به الصحة ، وتتمُّ به اللَّذةُ وسرور النفس).
كما أنه رحمه الله تعالى، وغيره من العلماء, عرض وناقش وعالج الانحرافات الخاصة بشهوة الجماع، كعشق الصور، والعشق.. وغير ذلك، في كتابه هذا (زاد المعاد)، وفي كتابه المعروف باسم (الداء والدواء)، وكتاب (روضة المحبين ونزهة المشتاقين)، وكتاب (إغاثة اللهفان)، وكذا شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة (أمراض القلوب وشفاؤها).
وليس المقصود أن نقف عند ما قدمه السابقون من مؤلفات، بل المقصود أن نحرص على أن يكون تعريف هذه القضية، وما يتعلق بها من أمراض أو انحرافات، والتثقيف فيها, والتربية على قيمها, في السياق الشرعي، وبمصطلحاتنا الأخلاقية، وفي إطار مفهوماتنا وقيمنا الإسلامية.
أرجوا أن تكوني قد استفدتي مما قيل في هذا المجال ولا تكوني تأثرتي بكلام الغرب الخارج عن ديننا الحنيف وأرجوا الله أن ينفعنا بما علمنا .. و
الحمد لله رب العالمين