وسائل وطرق الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وإن من وسائل وطرق الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أولا: التواصي بالحق
فلا شك أنه من الواجب على كل مسلم بعد أن رزقه الله تعالى نعمة الإسلام، ووفقه للعمل به، فإن من واجبه أن يدعو إخوانه إلى الخير، وأن يحثهم على التمسك به، وأن يرغبهم في الثواب الآجل مع الثواب العاجل، ويحذرهم من نقمة ربهم وعقابه، فهذا واجب كل مسلم.
وقد استدل العلماء على ذلك بسورة العصر؛ حيث حكم الله -تعالى- بخسران جميع الناس إلا من استثنى، فقال -تعالى- وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ أي أن كل الناس قد خسروا الدنيا والآخرة إلا هؤلاء الذين حققوا الإيمان، الذي هو الاعتقاد الصادق، وحققوا الأعمال الصالحة وأظهروها، وأصلحوا ما طلب منهم، ولم يقتصروا على أنفسهم، بل أوصوا غيرهم بما هم عليه: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ يعني الإيمان والعمل الصالح، وهذا التواصي يعم من كان قريبا أو بعيدا في النسب والمكان.
وهكذا المسلمون يوصي بعضهم بعضا، فالقريب تنصحه وتحثه على الخير، وتحذره من الشر، وتبين له طرق النجاة وسبلها، وتبين له الآفات التي في ضدها، وتحثه على أن يعمل بما يعلم، وتبين له آثار مخالفة العلم، وآثار المعاصي.
أما المسلم البعيد، فإنك تراسله وتكاتبه، وتوصي من يذهب إليه، فإذا كان عامِيًّا أوصيته بما يناسب العوام، وإن كان من خواص أهل العلم أوصيته بما للخواص؛ فهذا تأمره بالعمل، وهذا تأمره بالتطبيق، وهذا تبين له ما يجهله، وهذا تنبهه على ما يغفل عنه، كلٌّ بحسبه، وهذا هو التواصي بالحق.
ثانيا: التواصي بالصبر
وهذا فيه إشارة إلى أن الذين يدعون إلى الحق ويعملون به، لا بد أن ينالهم شيء من الأذى، وشيء من التضييق عليهم والفتنة، ونحوها! فهذه سنة الله في عباده، حتى مع الرسل! فإنهم ابتلوا وأُوذوا، وكذلك أتباعهم في كل زمان ومكان، وذلك أنه لا بد أن ينالهم -إذا كانوا متحققين بالإيمان- شيء من الأذى وشيء من البلاء!
وهكذا واقع الكثير من الأئمة والعلماء في الزمن الماضي وفي كل زمان كما حصل للإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية وأتباعهما، فمنهم من قُتل! ومنهم من حُبس! ومنهم من اضطهد! ومنهم من فُصل من عمله! ومنهم من أبُعد! ومنهم من أشهر بشهرة سيئة ظالمة! ومنهم من نشرت عنه نشرات خاطئة! وكل ذلك لم يصدهم عما هم عليه، بل صبروا وصابروا، وكانت لهم العاقبة.
وقد دل على ذلك قول الله -تعالى- أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ .
فكل من قال: آمنا لا يستبعد أن يفتن، لقول الله -تعالى- وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ .
يعني أنه يبتليهم، ويفتنهم؛ حتى يظهر معلوم الله فيمن كان صادقا ومن كان كاذبا!
ويقول -تعالى- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وهذا يقع كثيرا في الذين يتَّسمون بضعف الإيمان، فإذا أصابتهم فتنة أو نالهم أذى من الناس خافوا من الناس كخوفهم من الله!
وعلى هذا فالذين ينالهم شيء من الحبس والأذى، والتخويف والتهديد، وأخذ الأموال وقتل الأولاد، وما أشبه ذلك ثم يصبرون ويحتسبون ويستمرون في الدعوة وبيان الحق، فهؤلاء هم صفوة الله الذين صبروا على هذا الابتلاء، وهم المؤمنون حقا، والعاقبة لهم: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ كما حقق ذلك لأوليائه، وكما دل على ذلك قوله -تعالى- إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ .
والله -تعالى- غني عن نصر عباده، ولكنه يبتلي العباد بهذه الدعوة، وبهذا الجهاد؛ ليظهر من يمتثل فيستحق الثواب، ومن يتكاسل فيستحق العقاب، ولو شاء الله لهدى الناس جميعا، يقول -تعالى- لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ فلو شاء الله لأظهر الحق، ولكنه يبتلي هؤلاء بهؤلاء، ليعظم الأجر لمن صبر، ولتقوم الحجة على من كفر.
ثالثا: التصدي لفتن هذا الزمان ومواجهة الكفار والمشركين حيث إننا ابتلينا بكثرة الفتن في هذه الأزمنة، وبكثرة الدعايات المضللة، فإن من واجبنا أن نتصدى لدحضها وردها، ولو نالنا ما نالنا من الأذى في ذات الله -تعالى-.
وقد ينخدع بهم بعض ضعاف الإيمان، فيجب أن نحرص على هؤلاء الضعاف، ونأخذ بأيديهم قبل أن ينخدعوا، ويتبعوا هؤلاء الذين ينعقون لهم؟ فيتبعونهم من غير تبصر، ومن غير معرفة وروية
رابعا: مواجهة أهل البدع
ولقد ابتلينا أيضا بمن هم أكثر شرا من المشركين، وهم أهل البدع، الذين يدعون أنهم مسلمون، وهم براء من الإسلام، والإسلام الصحيح براء منهم.
منقول للفائدة