لآلئ بداخلنا قد غفلنا عنها....
لو بحث كل منا وغاص في أعماق ذاته ونقب في مكنون نفسه ....
لوجد هناك عدة لآلئ قد أوصد المحار عليها وأطبق فكيه عليها فلم ترى النور ...
وإن رأت النور ستجد أحدنا قد حاول قاصدا أو متجاهلا طمس بريقها وإسدال الستار
عليها بحجة أنها لم تعد مجدية في زمننا هذا ... ؟!
لماذا لا نترك العنان لفطرتنا السليمة ونجعل تلك اللؤلؤة المغروسة بداخلنا تشع متلألئة
لتضفي على حياتنا وعلاقاتنا طابع إنساني وألفة تجذب كل من يتعامل معنا ...
بداخل النفس البشرية تلك ( اللؤلؤة ) بذرة الخير التي جبل الإنسان عليها فمهما كان
الشخص ذا سلوك عدواني لابد من وجود عامل الخير بداخله ولكنه يعمل بشكل ضعيف أو
متقطع ولم يجد من ينميه ويظهره....
فلو أن كل منا تعامل بمبدأ قول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه }
والمقصود هو: أخوك المسلم، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{المسلم أخو المسلم }.
لعم الأمن والطمأنينة ولاكتست علاقاتنا بطابع الأخوة البحتة وأصبحنا متماسكين كالبنيان المرصوص ....
فلو عدنا لعهد الصحابة - رضوان الله عليهم- لوجدنا حل لكل مشاكلنا التي سببها الابتعاد عن
الدين والخلق القويم ، لقد استطاع نبينا – صلى الله عليه وسلم – أن يوجد عامل الإيثار بين
المسلمين فقد آخى بين المهاجرين والأنصار لدرجة أن الأنصار- أهل المدينة – قاسموا
المهاجرين أموالهم ووكل ما لديهم بل وقد آثروهم على أنفسهم حبا لله ولرسوله وللمؤمنين...
فكونوا النواة الصالحة والنموذج المثالي للمجتمع الصالح المؤثر وكتب الله - عز وجل- لهم النصر والعزة في الدنيا والآخرة ....
والمتأمل في السيرة النبوية يجد تلك النفوس التي تشع بالإيمان والخير والصلاح والحب و الإيثار فما الذي جعلها كذلك ؟؟؟
إنه القرب من الله والإيمان الصادق والتجرد من حب الدنيا الفانية والرغبة فيما عند الله والدارالآخرة ....
فقد وصلوا لدرجة الإحسان ، قال-صلى الله عليه وسلم-: { الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك } متفق عليه.
فالإحسان هو مراقبة الله في السر والعلن، وفي القول والعمل، وهو فعل الخيرات على أكمل وجه، وابتغاء مرضات الله. وعلى المسلم أن يتقي الله في كل الأمور سواء الخاصة أو العامة ...
قال تعالى { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [ سورة الأعراف ] } فهذا وعد من الله تعالى للمؤمنين المتقين بفتح بركات السماء والأرض.....
فالإيمان المقرون بالتقوى مجلبة لرضاء الرب والبركة والفوز في الدنيا والآخرة ....
قال تعالى { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} الطلاق. {كما قال تعالى مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } النحل97.
فهذه دعوة من الله تعالى لنا وبيان للطريق المستقيم الذي يوصلنا إلى خيرالدنيا والآخرة ...
فلنعيد أحبتي النظر في أحوالنا وفي تصرفاتنا وكلٌ يبدأ بنفسه ، هل نحن مقصرون ، ومفرطون؟
في حق الله وحق أنفسنا ،والله سبحانه وتعالى ليس بغافل { وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ }إبراهيم42،
إن من نعم الله-عز وجل- على العبد أن يكون له واعظ من نفسه يزجره،إذا قصر في طاعة الله-عز وجل-أو تجاوز حده بمعصيته، إن النفس اللوامة التي تلوم صاحبها على تقصيره لهي من نعم الله - تبارك وتعالى – على العبد..
النفس اللوامة المتيقظة التقية الخائفة المتوجسة التي تحاسب نفسها، وتتلفت حولها، وتتبين حقيقة هواها، وتحذر خداع ذاتها لهي النفس الكريمة على الله، حتى ليذكرها مع يوم القيامة (لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللومة) سورة القيامة (1-2)
ثم هي الصورة المقابلة للنفس الفاجرة..
قال ابن كثير: وأما النفس اللوامة فقال قرة بن خالد عن الحسن البصري في هذه الآية: إن المؤمن والله ما نراه إلا يلوم نفسه. ما أردت بكلمتي، ما أردت بأكلتي، ما أردت بحديث نفسي،
وإن الفاجر يمضي قدماً قدماً ما يعاتب نفسه.
وقال جويبر: بلغنا عن الحسن أنه قال في قوله تعالى: (ولا أقسم بالنفس اللوامة) قال: ليس أحد من أهل السماوات والأرضين إلا يلوم نفسه يوم القيامة، وعن عكرمة قال: يلوم على الخير والشر لو فعلت كذا وكذا.
*تذكروا( ما نزل بلاء إلا بذنب ) سواء كان هذا الذنب عاما أم خاصا ،وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية).
وقال ميمون بن مهران: لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، ولهذا قيل: النفس كالشريك الخوان، إن لم تحاسبه ذهب بمالك.
وذكر الإمام أحمد عن وهب قال: مكتوب في حكمة آل داود:
حق على العاقل ألا يغفل عن أربع ساعات:
ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلوا فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجعل، فإن في هذه الساعة عوناً على تلك الساعات وإجماماً للقلوب.
وكان الأحنف بن قيس يجئ إلى المصباح، فيضع إصبعه فيه ثم يقول: حس يا حنيف، ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟
كان توبة بن الصمة من المحاسبين لأنفسهم فحسب يوماً، فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها، فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم، فصرخ وقال: يا ويلي! ألقى ربي بأحد وعشرين ألف ذنب؟ كيف وفي كل يوم آلاف من الذنوب؟ ثم خر مغشياً عليه فإذا هو ميت، فسمعوا قائلاً يقول: (يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى).
قال الفضيل لرجل: كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة. قال له: أنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تصل!!
ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أن محاسبة النفس تكون كالتالي:
أولاً: البدء بالفرائض، فإذا رأى فيها نقصاً تداركه.
ثانياً : ثم المناهي، فإذا عرف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية.
ثالثاً : محاسبة النفس على الغفلة ويتدارك ذلك بالذكر والإقبال على الله
رابعاً: محاسبة النفس على حركات الجوارح، كلام اللسان، ومشي الرجل ين، وبطش اليدين، ونظر العينين، وسماع الأذنين، ماذا أردت بهذا؟ ولمن فعلته؟ وعلى أي وجه فعلته.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع؟ فقال: (إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار) [مسلم].
~~ وقفة مع الننفس ~~
يا نفس توبي فان الموت قد حانا ...... واعصي الهوى فالهوى مازال فتانا
أمــــــا ترين المنــايا كيف تلقـطنا ........... لقـطـــــاً و تلحـق أخرانـا بأولانا
في كـــــل يوم لنـا ميت نشــيعه ........... نــــرى بمصـرعه آثــــار موتــانـا
يا نفـس مالي وللأمـوال أتركها .......... خلفي وأخـرج مــن دنيـاي عريانا
أبعـد خمســين قـد قضيتها لعباً ........... قــد آن أن تقتصـري قـد آن قد آنا
ما بالنـا نتعامى عـن مصــائرنا ........... نـنـسـى بغـفلتنا من ليـس ينسانـا
نزداد حرصـا وهذا الدهر يزجرنا ........... كان زاجـرنا بالحـرص أغرانـا
أيـــــن الملوك وأبنــاء الملوك ومن ........... كانت تخـر له الأذقـان إذعانـا
صاحت بهم حادثات الدهر فانقلبوا ........... مسـتبدلين من الاوطان اوطانا
خلـــوا مدائـن كان العز مفرشـها ........... واستفرشــوا حفرا غبرا وقيعانا
يا راكضاً في ميـادين الهوى مرحاً ........... ورافلا في ثـياب الغي نشــوانا
مضى الزمان وولى العمر في لعب ........ يكفيك ما قد مضى قد كانا ما كانا
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
*دمتم بحفظ الرحمن *![](http://forum.hwaml.com/images/smilies/rose.gif)