أم سلمة.. اللهم أجرني في مصيبتي
ـ كثيراً ما نصاب ونحزن وكثيرة هي أشكال الابتلاءات التي تصيب الانسان من فقد عزيز ومن مرض ومن أمور تذهب عن صاحبها كفقد أعضاء ومال وثروة وغيرها من ابتلاءات ومصائب يبتلى بها بنو آدم وخلق الانسان في كبد..وكما هي الابتلاءات والمصائب تصيب الانسان هي في المقابل لها منزلة الصابرين والراضين والمحتسبين عند الله سبحانه الأجر والثواب.. أم ترزق بعد ست بنات بمولود ذكر وتفجع به بعد اقل من شهرين بدون سبب..وبعد عام ترزق بمولود في نفس يوم وفاة مولودها الأول.. ـ تاجر يمن الله عليه بالمال والثروات والعقارات..وفجأة يخسر ما كان لديه من مال..وبمال قليل يبدأ من جديد ويفتح الله عليه..زوجة تفقد حبيبها وشريكها وزوجها وأب أولادها..ويعوضها الله خيراً في أبنائها وفي التقرب اكثر إلى الله..وأشكال الحزن والفقد والمصاب كثيرة وكل يحمل الحزن وأشكال الظلم والألم في نفسه.. ـ لكن مع عظمة هذا الدين بما جاءت الآيات العظيمة في أجر الصبر.. وعظمة رسوله صلى الله عليه وسلم..المعلم والمربي والطبيب والرسول الهادي..يعلمنا معنى الاحتساب والصبر عند المصيبة ومعنى الجزاء والتعويض.. عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : » ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون : اللهم أجرني في مصيبتي ، واخلف لي خيرا منها، إلا أجره الله تعالى في مصيبته وأخلف له خيرا منها ـ مع سيرة صحابية وأم المؤمنين..أم سلمة.. هي هند بنت سهيل المعروف بأبي أمية بن المغيرة، أم سلمة.. والدها سيّد من سادات قريشي ، وكان بين الناس مشهوراً بالكرم وشدّة السخاء حتى لُقّب بـ : " زادُ الركب " ، إذ كان يمنع من يرافقه في سفره أن يتزوّد لرحلته ويكفيه مؤونة ذلك. وهو الذي أشار على قريش وقد كان أسنهم ، بعد أن اختصموا عندما رفعوا بنيان الكعبة ، فيمن يضع الحجر الأسود في ركنه ، بأن يحكـّـموا أول من يدخل عليهم من باب المسجد الحرام ، وهو باب بني شيبة فكان أول من دخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوه قالوا : هذا الأمين رضينا ، هذا محمد. وهي بنت عم خالد بن الوليد رضي الله عنه ، وبنت عم أبي جهل بن هشام. ـ كانت أم سلمة رضي الله عنها من الجيل الأوّل الذي أسلم مبكّرا في مكة ، ونالت في ذلك ما ناله المؤمنون من صنوف الأذى وألوان العذاب ، حتى أذن الله للمؤمنين بالهجرة الأولى إلى الحبشة ، لتنطلق هي وزوجها عبد الله بن عبد الأسد المخزومي مهاجرين في سبيل الله ، فارّين بدينهم من أذى قريشي واضطهادها ، محتمين بحمى النجاشي الملك العادل. وبها ولدت ابنها عمر ، وابنتها زينب ، وكان اسمها برّة ، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب..في غزوة أحد أُصيب زوجها بجرح عميق ، وبعد شهور تُوفي رضي الله عنه متأثراً بجرحه ، وهذا ابتلاء آخر يصيب أم سلمة ، بعد رحيل زوجها من الدنيا تاركاً وراءه أربعة من الأولاد هم: برة وسلمة ، وعمر، ودرة ، فأشفق عليها صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنهـ فخطبها ، إلا أنها لم تقبل ، وصبرت مع أبنائها. ـ تقول أم سلمة رضي الله عنها : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله (إنا لله وإنا إليه راجعون) اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها ، فلما مات أبو سلمة قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة ؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إني قلتها ، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: أرسل إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له ، فقلت: إني كبيرة السنّ ، وأنا غيور أي تغار من ضرائرها من النساء ـ وذات عيال ، فقال صلى الله عليه وسلم : أنا أكبر منك ، وأما الغيرة فيذهبها الله عز وجل، وأما العيال فإلى الله ورسوله ، فتزوّجها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال سنة أربع من الهجرة.وتم الزواج في شهر شوال من السنة الرابعة. ـ كانت رضي الله عنها لها مكانتها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي بيته فقد كان يعدها من أهله.كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما عندها وعندها ابنتها زينب فجاءته ابنته فاطمة رضي الله عنها وولداها الحسن والحسين رضي الله عنهما فضمهما إليه ثم قال رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد فبكت أم سلمة فنظر إليها رسول الله وسألها في حنو ما يبكيك؟أجابت:يا رسول الله خصصتهم وتركتني وابنتي قال صلى الله عليه وسلم انك وابنتك من أهل بيتي.وقد شبت زينب في رعاية رسول الله فكانت من أفقه نساء أهل زمانها ويروى انها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل فنضح في وجهها فلم يزل ماء الشباب في وجهها حتى كبرت وعجزت. وكانتـ رضي الله عنهاـ من النساء العاقلات الناضجات.. كان لأم سلمة رأي صائب أشارت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية..وفي شهر ذي القعدة من العام التاسع والخمسين للهجرة أسلمت روحها الطاهرة إلى خالقها ، وكانت قد بلغت من العمر أربعاً وثمانين سنة ، حين بلغها مقتَلُ الحسين ، فوجَمَت لذلك ، وحَزًنَت عليه كثيراً ، و غُشيَ عليها ، ولم تلَبث بعدهُ إلا يَسيراً ، فكانت آخر أمهات المؤمنين موتاً ، فرضي الله عنها ، وعن جميع أمهات المؤمنين.. ـ آخر جرة قلم في سيرة أم من أمهات المؤمنين نجد معنى المرأة الحق ومعنى العقل ومعنى الصبر..ونجد الخلف الذي اخلفه الله على أم سلمة بزوج خير من زوجها..بسيد الخلق والبشرية..واختيار آخر للزوجة والزوج قائم على أسس صحيحة وثابتة.. وأم المؤمنين أم سلمة مثال رائع للأم والزوجة في تربية الأبناء ورعايتهم في هذا الزمن..فكانت الزوجة والأم الصالحة،بما تملك من عقل صائب ،وشخصية قوية، وكانت قادرة على اتخاذ قراراتها بنفسها، وبما تتسم شخصيتها من خلق وأدب ، وهذا ما يندر وجوده في أمهات وزوجات وقتنا الحالي. بالاهتمام بالزوج، ورعاية وعناية بالأطفال، والوقوف مع الزوج في أصعب الأوقات،. كل هذا نفتقده للأسف في أمهات وزوجات اليوم، لاهتمامهن ولهثهن وراء أمور الدنيا الزائفة وجهلن بأهمية الزوج ورعايته والاهتمام بالأبناء في زمن أحوج ما تكون من أهمية تربية ورعاية الأم !!