هكذا تستقبلين مولودك حسب السنة والفقه****
نسأل الله أن يبارك لك في المولود القادم وجعله من الصالحين الأتقياء لكي يكون في ميزان حسناتك فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم ( 1631 ) .
ليس هناك أعمال شرعية تتجهز بها لاستقبال المولود فيما نعلم قبل يوم أو يومين أو أقل من ذلك أو أكثر إلا الأدعية الطيّبة العامة كالدعاء للمولود بالسلامة والعافية والهداية ونحو ذلك ، وقد ذكر الله تعالى في كتاب أدعية المرأة الصالحة وهي امرأة عمران لما قالت :
إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(36) سورة آل عمران
وفيما يلي إرشاد إلى ما تصنعه يوم مجيء المولود ، وبعد ذلك اليوم .
**************************
ستحباب التأذين والإقامة عند الولادة :
ومن الأحكام التي شرعها الإسلام للمولود التأذين في أذنه اليمنى والإقامة في أذنه اليُسرى وذلك حين الولادة مباشرة لما روى أبو داود والترمذي عن أبي رافع أنه قال : رأيت رسول الله () يُأذن في أُذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة .
وروى كذلك ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي () أذّن في أُذن الحسن بن علي اليمنى يوم وُلِد وأقام في أُذنه اليُسرى .
وسر التأذين والإقامة – كما ذكر ابن القيم الجوزية في كتابه تحفة المولود - : أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلمات النداء العلوي المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته ، والشهادة التي هي أول ما يُدخل بها في الإسلام ، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا كما يُلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها ، وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثره به وإن لم يشعر .
ومع ما في ذلك من فائدة أخرى وهي هروب الشيطان من كلمات الأذان وهو كان يرصده حتى يولد ، فيسمع شيطانه ما يُضعفه ويغيظه أول أقوات تعلقه به .
وفيه معنى آخر وهو أن تكون دعوته إلى الله ودينة الإسلام وإلى عبادته سابقة على دعوة الشيطان ، كما كانت فطرة الله التي فطر الناس عليها سابقة على تغيير الشيطان لها ونقله عنها ، إلى غير ذلك من الحكم .
*****************************************
- استحباب تحنيكه عندما يولد :
ومن الأحكام التي شرعها الإسلام للمولود استحباب تحنيكه عقب الولادة ...
ولكن ما التحنيك ؟ وما الحكمة منه ؟
التحنيك معناه مضغ التمرة ودَلْكُ حنك المولود بها ، وذلك بوضع جزء من الممضوغ على الإصبع وإدخال الإصبع في فم المولود ثم تحريكه يمينا وشمالا بحركة لطيفة حتى يتبلغ الفم كله بالمادة الممضوغة ، وإن لم يتيسر التمر فليكن التحنيك بأية مادة حلوة كالمعقود أو رائب السكر الممزوج بماء الزهر تطبيقا للسنة ، واقتداءً بفعله () .
ولعل الحكمة في ذلك تقوية عضلات الفم بحركة اللسان مع الحنك مع الفكين بالتلمظ حتى يتهيأ المولود للقم الثدي وامتصاص اللبن بشكل قوي وحالة طبيعية ، ومن الأفضل أن يقوم بعملية التحنيك من يتصف بالتقوى والصلاح تبركا وتيمنا بصلاح المولود وتقواه .
ومن الأحاديث التي استدل بها الفقهاء على استحباب التحنيك ما يلي :
جاء في الصحيحين من حديث أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال : وُلد لي غلامٌ فأتيت به النبي () فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ودفعه إلىّ .
وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك قال : كان ابنٌ لأبي طلحة يشتكي ، فخرج أبو طلحة فقُبض الصبي ، فلما رجع أبو طلحة قال : ما فعل الصبي ، قالت زوجته أم سليم : هو أسكن ما كان ، فقربت إليه العشاء فتعشى ، ثم أصاب (أي جامع زوجته) ، فلما فرغ قالت : وارِ الصبي (أي قم على دفنه) ، فلما اصبح أبو طلحة أتى النبي () فأخبره ، قال : أعرستم الليلة ؟ (كناية عن الجماع) ، قال : نعم ، قال الرسول الكريم : اللهم بارك لهما ، فولدت أم سليم غلاما ، فقال لي أبو طلحة ، احمله حتى تأتي به النبي () وبعث معه تمرات ، فأخذها النبي () فمضغها ثم أخذها من فيه فجعلها في فم الصبي ثم حنّكه وسماه عبد الله .
وقال الخلال : أخبرني محمد بن علي قال : سمعت أم ولد أحمد بن حنبل تقول : لما أخذني الطلق كان مولاي نائما ، فقلت له : يا مولاي ها هو ذا أموت ، فقال : يفرج الله ، فما هو إلا أن قال : يفرج الله فولدت سعيدا ، قال : هاتوا ذلك التمر – التمر كان عندنا من مكة – فقال لأم علي : امضغي هذه التمرة وحنّكيه
***********************************
ستحباب حلق رأس المولود :
ومن الأحكام التي شرعها الإسلام للمولود استحباب حلق رأسه يوم سابعه والتصدق لوزن شعره فضة على الفقراء والمستحقين ، والحكمة في ذلك تتعلق بشيئين :
أ- حكمة صحية : لأن في إزالة شعر رأس المولود تقوية له وفتحا لمسام الرأس وتقوية كذلك لحاسة البصر والشم والسمع كما قال ابن القيم في كتابه تحفة المولود .
ب- حكمة اجتماعية: لأن التصدق بوزن شعره فضة ينبوع آخر من ينابيع التكافل الاجتماعي ، وفي ذلك قضاء على الفقر وتحقيق لظاهرة التعاون والتراحم والتكافل في ربوع المجتمع ,
ومن الأحاديث التي استدل بها الفقهاء على استحباب الحلق والتصدق بوزن الشعر فضة ما يلي :
روى الإمام مالك في الموطأ عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : وزنت فاطمة رضي الله عنها شعر الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم فتصدقت بزنة ذلك فضة .
وذكر ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن محمد بن علي بن الحسن رضي الله عنهم قال : عقّ رسول الله () عن الحسن شاة ، وقال : يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة ، فوزنته فكان وزنه درهما أو بعض درهم .
وروى يحيى بن بكير عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن رسول الله () أمر بحلق رأس الحسن والحسين يوم سابعهما فحُلقا وتصدق بوزنه فضة .
ويتفرع عن الحلق مسألة القَزَع ومعناه حلق بعض رأس الصبي وترك بعضه ، وجاء النهي عنه صريحا في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال : نهى رسول الله () عن القَزَع .
والقزع الذي يشمله النهي أربعة أنواع :
أ- أن يحلق من رأسه مواضع ههنا وههنا .
ب- أن يحلق من وسطه ويترك جوانبه .
جـ - أن يحلق جوانبه ويترك وسطه .
د- أن يحلق مقدمه ويترك مؤخره .