نعم ، الرجال قوامون على النساء...ولكن بشروط
قال الله تعالى:
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)
فالإسلام لم يقرّر مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في بعض المسائل مراعاةً لطبيعة كلٍ منهما، حيث إن كلاً منهما يختلف عن الآخر في التكوين الجسدي، والنفسي، والوظيفي، وقد كلّفهما بالمسؤوليات والمهمّات التي تناسبهما.
فالإسلام يقرّر التكاليف التي تناسب الفطرة البشرية التي فُطر عليها كلٌ من الرجل والمرأة، كما أنّ القيام بمهمة إدارة الأسرة من الأمور الضرورية، فبدونها تعمّ الفوضى والمشاكل، وبناءً على ذلك فإما أن تكون القوامة للمرأة أو للرجل، وليس من الممكن أن تكون لكليهما، فوجود رئيسين لذات الأمر يعدّ أمراً لا يمكن تصوّره، وبعد ذلك فإن الرجل أقدر على حمل القوامة، لأن المرأة إن كانت صاحبة القوامة والمسؤولية فإن الرجل سيكون خاضعاً لرغباتها وأوامرها، لذا فإنّ القوامة للرجل دون أي ظلم أو استبداد، ولكن يجب أن تكون إدارة الأسرة قائمة على التعاون، والتشاور، والتفاهم.

ليست القوامة لتشريف الرجل على المرأة، وإنما هي في الحقيقة من الأمور التكليفية الخاصة به، كما أنه ليس في ذلك انتقاصاً من قيمة المرأة وقدرها ومنزلتها، فالإسلام جعل القوامة من نصيب الرجل بالنظر إلى أمرين أساسيين، الأول منهما الفطرة التي تتعلق بقوة الإرادة، ورجحان عقله على عاطفته، بينما ترجّح العاطفة على العقل لدى المرأة، ممّا يزرع في نفسها شدّة التأثّر والانفعال، لتؤدي ما عليها من واجبات الأمومة والحضانة بأفضل صورةٍ، والسبب الثاني يتمثّل بالكسب، أي أن الرجل مكلّف بنفقات الزواج، وثمّ بالإنفاق على الزوجة والأولاد، والإسلام قابل ذلك بإعطائه حق القوامة، وفي المقابل فإنّ الإسلام زوّد المرأة بالقدرات التي تتميّز فيها عن الرجل، منها:
التحلّي بالصبر بشكل أكبر من الرجل، والقدرة على التحمّل، والرغبة بالنسل والولد، والقدرة العالية على السهر والقيام على أمور الأبناء إن كان أحدهم مريضاً مثلاً، والقدرة العالية ايضاً على تحمّل الأوجاع والآلام بسبب ما تعانيه من آلام الحيض، والحمل، والولادة.
أحكام تتعلّق بالقوامة
بيّن العلماء عدّة أحكام تتعلّق بالقوامة، وفيما يأتي بيان البعض منها:
إذا لم يؤدِّ الرجل ما كلّفه به الله تعالى من الأمور المتعلّقة بالقوامة من نفقة وكساء، فإنّ الحق في القوامة يُسلب منه، ويحق المرأة فسخ النكاح بالوسائل التي شرعها الإسلام، حيث إنّ القوامة في الآية القرآنية اشترطت بالإنفاق، وذلك ما نصّ عليه كلٌ من الشافعية والمالكية، ومن الجدير بالذكر أنّ تفضيل الرجل على المرأة بالقوامة لا تعدّ قاعدةً عامةً شاملة للكلّ على حدٍ سواء، فتوجد العديد من النساء اللاتي يتفوقّن على أزواجهن بالعلم، والدين، والعمل، والرأي وغير ذلك من الأمور، وما يدلّ على ذلك الآية القرآنية التي خصّت تفضيل بعض الرجال دون تفضيل جميعهم، حيث قال الله تعالى:
(بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ).
تتمثّل القوامة الزوجية بالعديد من الضوابط التي بيّنها العلماء، فالإسلام أوجب على الزوج أداء عدد من الواجبات، منها: المهر، وهو المال الواجب على الرجل للمرأة بالعقد عليها أو بالوطء، حيث قال الله تعالى:
(وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا)
كما أنّ العلماء أجمعوا على وجوب المهر للزوجة، فالحكمة منه توثيق الزواج الذي يعدّ من أهم العقود وأخطرها، كما أنه يدل على صدق الرجل ورغبته في الزواج والارتباط بالفتاة، ومن الواجبات المقرّرة على الزوج النفقة، حيث إنها تجب بمجرّد إتمام عقد النكاح، وتمكّن الزوج من الاستمتاع بزوجته، حيث قال الله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا)،والواجب على الزوج معاشرة زوجته بالمعروف والخير، حيث قال الله سبحانه:
(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)
والمعاشرة تشمل جميع جوانب الحياة الزوجية والأسرية، فعلى الزوج أن يحسن ألفاظه وحديثه مع زوجته، ويحرص على عدم توجيهها وأمرها بما لا تستيطع وتطيق، وفي المقابل فعلى الزوجة أن تتجمّل لزوجها، وتحرص على فعل الأمور التي تُسعده وتفرحه، وتتجاوز عن الأمور التي تسببّ كدر الحياة، فقد قال القرطبي شارحاً الآية السابقة:
(على ما أمر الله به من حسن المعاشرة، والمراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج؛ وذلك توفية حقها من المهر والنفقة، وألا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون منطلقاً في القول لا فظاً ولا غليظاً ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها).