السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ذكر الأستاذ المودودي رحمه الله في كتابه القيم (مبادئ الإسلام)(71) تسعة آثار لكلمة التوحيد أذكر ملخصها فيما يلي:-
(1) إن المؤمن بهذه الكلمة لا يكون ضيق النظر، بخلاف من يقول بآلهة متعددة. أو من يجحدها.
(2) إن الإيمان بهذه الكلمة ينشئ في النفس من الأنفة وعزة النفس ما لا يقوم دونه شيء، لأنه لا نافع إلا الله ولا ضار إلا الله، وهو المحيي المميت. وهو صاحب الحكم والسلطة والسيادة. ومن ثم ينزع من القلب كل خوف إلا منه سبحانه، فلا يطأطئ الرأس أمام أحد من الخلق، ولا يتضرع إليه، ولا يتكفف له، ولا يرتعب من كبريائه وعظمته. لأن الله هو العظيم القادر. وهذا بخلاف المشرك والكافر والملحد.
(3) ينشأ من الإيمان بهذه الكلمة مع أنفة النفس وعزتها: تواضع من غير ذل وترفع من غير كبر فلا يكاد ينفخ أوداجه شيطان الغرور ويزهيه بقوته وكفاءته لأنه يعلم ويستيقن أن الله الذي وهبه كل ما عنده قادر على سلبه إياه إذا شاء. أما الملحد فإنه يتكبر ويبطر إذا حصلت له نعمة عاجلة.
(4) المؤمن بهذه الكلمة: يعلم علم اليقين أنه لا سبيل إلى النجاة والفلاح إلا بتزكية النفس والعمل الصالح أما المشركون والكفار فإنهم يقضون حياتهم على أماني كاذبة. فمنهم من يقول: إن ابن الله قد أصبح كفارة عن ذنوبنا، عند أبيه، ومنهم من يقول: نحن أبناء الله وأحباؤه فلن يعذبنا بذنوبنا. ومنهم
من يقول: إنا سنشفع عند الله بكبرائنا وأتقيائنا، ومنهم من يقدم النذور والقرابين إلى آلهته زاعماً أنه نال بذلك رخصة في العمل بما يشاء. أما الملحد الذي لا يؤمن بالله فيعتقد أنه حر في هذه الدنيا غير مقيد بشرع الله وإنما إلهه هواه وشهوته وهو عبدهما. (5) قائل هذه الكلمة لا يتسرب إليه اليأس ولا يقعد به القنوط، لأنه يؤمن أن الله له خزائن السموات والأرض. ومن ثم فهو على طمأنينة وسكينة وأمل، حتى ولو طرد وأهين وضاقت عليه سبل العيش.
إن عين الله لا تغفل عنه ولا تسلمه إلى نفسه، وهو يبذل جهده متوكلاً على الله، بخلاف الكفار الذين يعتمدون على قواهم المحدودة، وسرعان ما يدب لهم اليأس، ويساورهم القنوط عند الشدائد مما يفضي بهم أحياناً إلى الانتحار.
(6) الإيمان بهذه الكلمة يربي الإنسان على قوة عظيمة من العزم والإقدام والصبر والثبات والتوكل حينما يضطلع بمعالي الأمور ابتغاء مرضاه الله. إنه يشعر أن وراءه قوة مالك السماء والأرض. فيكون ثباته ورسوخه وصلابته التي يستمدها من هذا التصور، كالجبال الراسية، وأنى للكفر والشرك بمثل هذه القوة والثبات؟
(7) هذه الكلمة تشجع الإنسان وتملأ قلبه جرأة. لأن الذي يجبن الإنسان ويوهن عزمه شيئان: حبه للنفس والمال والأهل، أو اعتقاده أن هناك أحداً غير الله يميت الإنسان، فإيمان المرء بلا إله إلا الله ينزع عن قلبه كلا من هذين السببين، فيجعله موقناً أن الله هو المالك الوحيد لنفسه وماله فعندئذ يضحي في سبيل مرضاة ربه بكل غال ورخيص عنده. وينزع الثاني بأن يلقي في روعه أنه لا يقدر على سلب الحياة منه إنسان ولا حيوان ولا قنبلة ولا مدفع، ولا سيف ولا حجر وإنما يقدر على ذلك الله وحده.
من أجل ذلك لا يكون في الدنيا أشجع ولا أجرأ ممن يؤمن بالله تعالى، فلا يكاد يخيفه أو يثبت في وجهه زحف الجيوش، ولا السيوف المسلولة، ولا مطر
الرصاصات والقنابل، فإنه عندما يتقدم في سبيل الله للجهاد، يهزم قوة تزيد على قوته بعشر مرات وأنى بمثل هذا للمشركين والكفار والملحدين؟
(8) الإيمان بلا إله إلا الله يرفع قدر الإنسان وينشئ فيه الترفع والقناعة والاستغناء، ويطهر قلبه من أوساخ الطمع والشره والحسد والدناءة واللؤم. وغيرها من الصفات القبيحة.
(9) وأهم شيء وأجدره في هذا الصدد: أن الإيمان بـ (لا إله إلا الله) يجعل الإنسان متقيداً بشرع الله ومحافظاً عليه، فإن المؤمن يعتقد بيقين أن الله خبير بكل شيء، وهو أقرب إليه من حبل الوريد وأنه كان يستطيع أن يفلت من بطش أي كان، فإنه لا يستطيع أن يفلت من الله عز وجل.
وعلى قدر ما يكون هذا الإيمان راسخاً في ذهن الإنسان يكون متبعاً لأحكام الله، قائماً عند حدوده لا يجرؤ على اقتراف ما حرم الله، ويسارع إلى الخيرات والعمل بما أمر الله.
ومن أجل ذلك جعل الإيمان بلا إله إلا الله أول ركن وأهمه ليكون الإنسان مسلماً.والمسلم هو: العبد المطيع المنقاد لله تعالى ولا يكون كذلك إلا إذا كان مؤمناً من قلبه بأن لا إله إلا الله. وهذا هو أصل الإسلام، ومصدر قوته، وكل ما عداه من معتقدات الإسلام وأحكامه إنما هي مبنية عليه، ولا تستمد قوتها إلا منه، والإسلام لا يبقى منه شيء لو زال هذا الأساس (72) .
ومن فضائلها ما ذكره ابن رجب، حيث أورد قول سفيان بن عيينة: ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله، وأن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا، ولأجلها أعدت دار الثواب ودار العقاب، ولأجلها أمرت الرسل بالجهاد، فمن قالها عصم ماله ودمه، ومن أباها فماله ودمه هدر، وهي مفتاح الجنة، ومفتاح دعوة الرسل (73) .
ولو أردت أن أذكر ما أورده العلماء، رحمهم الله تعالى حول فضلها وما في ذلك من الأحاديث النبوية وآثار السلف لطال المقام.