هجوتُ الفول فطارت من أجله العقول
يقول زوجي الحبيب :
ذات يومٍ و بإحدى مجالس الطعام التي كانت تضمني و كثيراً من أصحابي أخذ القوم جميعا يتمادحون في أنواع الأطعمة المفضلة لديهم ، و لسابق علمهم بأني أكره الفول - الأكلة الشعبية الشهيرة - أخذوا جميعا في مدح الفول و الثناء عليه بالمنثور و المنظوم من القول حبا فيه ، يغيظونني بذلك ، و مما أذكره من ذلك المديح قول أحدهم ( أنا أحب الفول و أعشقه أكثر من اللحوم ) و قول آخر ( كفى الفول فخرا ....كذا و كذا ) ....إلخ . فلم أملك بعد كل ذلك إلا أن أقسمت بالله لآتينهم بقصيدة هجاء يُتحدث يها تسوؤهم جميعا ، و في نفس اليوم جلست منفرداً بعد صلاة العشاء و كتبت تلك القصيدة أهجوهم بها و هى ميمية من بحر الطويل ، و مع أن الفول ليس له ذنب إلا أنه نال الحظ الأوفر منها ، و حتى لا اتّهم بشيئ فأعلن أني لا أحرم الفول قطعاً ، و لئن دلت القصيدة على شيئ من هذا فهو خطأ مني حملتني عليه آنذاك عزة نفسي و إصراري على الانتقام لها أسأل الله أن يعفو عني
و هاكم القصيدة :
نصحتكمو حتـى سئمـت التكلمـا *** و عدت و ما أعقبـت إلا التندمـا
سلامٌ على الحمقى سـلام مهاجـرٍ *** رأى أن لقياكـم يـجـر المآثـمـا
سـلامٌ عليكـم دار قـوم عبيطهـم *** يرى في نبات الفول عزاً و أنعمـا
و قال أحب الفـول حبـي ديارَنـا *** و أعشقـه عشقـي حبيبـاً متيّمـا
فيا مَن هذى بالفحش أقصر فإنمـا *** بقولك هـذا صـرت كلبـاً مُعَلَّمـا
لعمـر أبيكـم مـا البهائـم هكـذا *** و ما هكذا الإنسان يألَـف مطعمـا
و مـا ذاك إلا أنـكـم كالحمـيـر لا *** تبالون أدماً كان بالصحن أم دمـا
تُرى هل تجد في الفـول أىّ فوائـدٍ *** لعلي أنادي في العشائـر مُعلِمـا ؟!
فحاشـا و كـلا أن تكـون فوائـدٌ *** بذا السـمّ لا تحلـم كفـاكَ توهمـا
ففيه من الأضـرار مـا إن ذكرتـه *** لألفت في هـذي المباحـث معجمـا
غباءٌ و أكـراشٌ تغطـي بطونكـم *** و حرصٌ و إدمانٌ أراه من العمـى
و ضعف يشـلّ الآكليـن و تُخمـةٌ *** فهـل ثَـمّ إلا أن يكـون مُحـرّمـا ؟!
فيا أيهـا الجامـوس أدرك زريبـةً *** و أطرق لحـاك الله فيهـا مُلازمـا
و خذ تلك من راع وصيـة حـازمٍ *** إذا أنت أُرسلتَ المراعـىَ سائمـا
فلا تنس برسيمـاً و تبنـاً تضمـه *** مع الفول عُد يا علج و اطعمه باسما
...................
هل تتصورون ما حدث بعد ذلك ؟
قامت الدنيا و لم تقعد و هجرني بعضهم و شتمني آخر و أخذوا ينشرون هذه القصيدة حتى وصلت إلى كل من يمت لي بصلة من الأقارب و الأباعد ، و حال هؤلاء معي كحال من هجوتهم بالقصيدة ، حتى وجد علىّ الكثير من معارفي ، و أما أبي فقد غضب غضبا شديدا حتى أقسم بالله علىّ ألا أعود إلى كتابة شعر آخر من تأليفي ، و قد ظللت باراً بقسمه هذا فترة كبيرة تعدو العامين ثم أقنعته على تكفير يمينه ، و للعلم فقد كتبت هذه القصيدة و لي من العمر عشرون عاما أى منذ حوالي سنتين و نصف تقريبا .
فكانت لي بمثابة تجربة عملية أدبية مرحلية
فطوبى لمن تعلّم من تجاربه