لمدة عامين كاملين، لم تفلح محاولاتنا أنا وزوجي في الإنجاب. إنها ليست بالفترة الطويلة خاصةً مع أمر كهذا، لكن عندما تفصلك عن سن الأربعين أشهر قليلة، وتشعرين أن ساعتك الحيوية تدق بكل قوة، عندها تشعرين بالعامين وكأنهما عمر كامل. سيعمل الناس من حولك على رفع معنوياتك، وسيحدثونك كثيراً عن الدراسات التي تثبت أن معدل عمر المرأة التي تنجب طفلها الأول يرتفع كل عام، وسيروون لك الكثير من القصص عن سيدات يعرفونهن مررن بهذه التجربة ونجحن وأصبحن أمهات في الخمسين من العمر، لكن أياً من هذه القصص لن يشعرك بالطمأنينة والراحة. وسيظل تركيزك منصباً على سباقك مع الوقت وحلم الأمومة.
قبل أن نأخذ القرار بالإنجاب، خضنا أنا وزوجي كافة تحاليل الخصوبة وكل الخطوات التي ينصح بها الطب للتحضير لتأسيس عائلة، وكل شيء كان يجري على أتم ما يرام، لكن لا يتم الحمل إلا عندما يحين وقته، والسبب؟ ليس لدي أي فكرة.
واحد من سبع أزواج يعانون من صعوبة في الإنجاب. وإذا كانت كل نتائج التحاليل سليمة واستمر الزوجان بمحاولة الإنجاب لمدة عام كامل ودون أي نتيجة، فيكون التشخيص العقم غير المبرر والمجهول السبب، وهذا ما حصل معنا. عدم معرفة سبب المشكلة يسبب شعوراً بالضياع فليس هناك نقطة محددة يجب التركيز عليها لإيجاد الحل، وفي الوقت نفسه يتجدد الأمل كل شهر بالحمل. كل ما كنا نسمعه حينها: ”استرخي فقط، سيحصل الأمر دون أي توقع“. لو كان الأمر مرتبطاً ”بالاسترخاء“ لكنت واظبت على جلسات اليوغا والمساج يومياً.
بعد أن أكدت التحاليل العقم غير المبرر، ونظراً لأنني لم أكن أملك الكثير من الوقت، قرر الطبيب أن يضعنا في علاج إخصاب مع مجموعة من الأدوية لمدة ستة أشهر مبدئياً. التزمت بأخذ الأدوية في أيام محددة في ساعات محددة، وعندها كانت تبدأ رحلة المعاناة مع الآثار الجانبية فأحدها كان يسبب لي صداعاً لا يحتمل ولا يمكن تخفيفه بأي نوع من المسكنات. بشرتي أصبحت مليئة بالحبوب، تحولت لإنسانة مزاجية، زاد وزني، وبالرغم من أننا عاهدنا أنفسنا أننا لن ندخل في هذه الحالة، إلا أننا أصبحنا نعد الأيام حتى نهاية العلاج.
الأيام الأصعب كانت عندما توجب علي حقن بطني بالحقن لأنشط الإباضة، ثم تطور الأمر ليصبح حقناً بشكل يومي ولمدة 12 يوماً في الشهر. حاولنا أن نجد بعض السعادة خلال هذه التجربة. أذكر مرة ظللت فيها مصرة على رفض حقن الإبرة حتى قام زوجي بقرصي ببطني بشكل قوي ثم لاحظت أنه حقنني بالإبرة في الوقت نفسه وبقينا نضحك بعدها وقتاً طويلاً. لم يكن من الممكن الاستمرار بهذه الحالة دون أن نخلق لأنفسنا بأنفسنا مكاناً للضحك.
كان علينا أن نخوض الحديث الذي نناقش فيه احتمالية عدم قدرتنا على إنجاب الأطفال في نهاية المطاف، وتقبلنا لفكرة أننا سنبني حياتنا بمفردنا. أذكر أنني بكيت كثيراً يومها مخافة أن يهجرني، لكنه بقي مصراً على أنه يفضل أن يعيش معي العمر وحدنا على أن يهجرني مقابل طفل، لكن لا يمكنك أن تمنعي نفسك من التفكير بهذه الطريقة في الأوقات الصعبة.
وتحولت الأشهر الستة لتصبح عاماً، وبعدها لم يكن منا إلا أن حجزنا موعداً في عيادة إخصاب لنناقش المرحلة التالية. أصبحت الجلسات والعلاجات أكثر صعوبة وألماً، حتى وصلنا إلى المرحلة التي قلنا فيها ”كفى“، لبعض الوقت على الأقل.
بعد مرور أربعة أشهر من إيقاف العلاج، أصابني يوماً ألم فظيع، شعرت أن ظهري ينقسم نصفين، وأصابني نزيف حاد بالرغم من أنه لم يحن الوقت لدورتي الشهرية. عندما اتصلت بطبيبتي زفت لي الخبر الذي لطالما انتظرناه، أنا حامل. أذكر أن زوجني عانقني بكل قوة وشاهدت في عينيه فرحاً لم أشهده من قبل، وبعد القيام ببعض الحسابات اكتشفت أن من المفروض أن أنجب طفلي قبل أن أبلغ الأربعين من العمر.
لكن فرحتنا لم تدم طويلاً، فقد أشار تحليل الدم أن حملي لم يكن قابلاً للنمو. الكثير من السيدات يعشن تجربة الإجهاض بعد الحمل الكاذب، والكثير منهن يجهلن أصلاً وجوده أصلاً معتقدين أنه مجرد تأخير في الدورة الشهرية. ما يخفونه عنك هو أنك لازلت حامل فعلياً لكنه فقط مجرد وقت حتى يفشل الحمل، وفي حالتي استمر الأمر لمدة أسبوع طويل وقاسي.
أدير عملي الخاص وهو عمل متطلب جداً. وخلال تلك الفترة التي كنت فيها بانتظار الإجهاض كان علي الاستمرار في عملي بالشكل الطبيعي. حينها كنت أعمل على مشروع كبير ومهم، وفي اليوم التالي لليوم المفترض أن يحدث الإجهاض فيه، كنت أنظم حفلاً للإعلاميين، لذلك تابعت الاهتمام بكل تفاصيل عملي دون كلل.
يقول لي الجميع اليوم بما فيهم الأطباء، أن حدوث الأمر لمرة يجعله قابلاً للحدوث مرة أخرى، وبالرغم من أن هذه المعلومة صحيحة لكنها لا تساعد في تقديم أي حل.
خلال حياتك، لا يصدف أن يحدثك أحد عن العقم، أو يحضرك له نفسياً، أو يشرح لك أمر خارج عن سيطرتك كلياً، أو يدخل في تفاصيل التجربة المؤلمة والكئيبة التي قد تعيشينها. مرت أيام شعرت فيها أنني لا أستطيع النهوض من السرير وأني لا أود ذلك أصلاً. بكيت كثيراً وصرخت كثيراً وكنت عنيفة أحياناً مع زوجي حتى أنني رميته بفنجان الشاي، للحظ لم يصبه. تجنبت الكثير من الأصدقاء المقربين وأفراد العائلة لأنني لم أكن قادرة على احتمال الأسئلة أو الإجابة عنها.
درس مهم جداً تعلمته من تجربتي وهو أهمية أن نكون صادقين وصريحين ومتصالحين مع ما نشعر به. اكتشفت أن هناك الكثير من الأشخاص يمرون بالتجربة نفسها ويشعرون بالألم نفسه لكن بكل صمت حتى يصعب عليك تصديق أنهم يعيشون ذلك حقاً. صراحتي عرفتني على الكثير من الأشخاص الذين مروا بالتجربة نفسها، يعرفون معنى الأمل والخيبة، ألم البكاء بكل صمت في الحمام في المكتب عندما تكتشفين أنها الدورة الشهرية من جديد، والخوف من المستقبل ومن أنك قد لا تشعرين بشعور الأمومة يوماً.
بعد مرور أربعة أشهر على الإجهاض، أشهر بالأمل يتغلغل إلى قلبي من جديد وأن بإمكاننا تحقيق الحلم هذا العام وأن نصبح أباً وأماً لطفل صغير.