الشوق للطاعات بعد رمضان المختلف هذا العام
رمضان أيامه معدودة وتمر سريعا، و لا تدوم طويلا، ولكنه هذا العام مختلف وله مذاق خاص عند الشعوب والدول التي بدأت في خطوات جادة للإصلاح، وبناء نهضة حقيقية في جميع المجالات، وبدأ الناس يشعرون بحقيقة أن من ينصر الله تعالى ويجتهد في طاعته، واتباع شرعه سيتنزل عليه نصر الله قريبا، بعدما شعر المسلمون برحمات الله تعالى تترى، والأمل يتجدد في بداية عهود مشرقة، وإنهاء ليالي الظلام الطويلة.
ومر العيد المختلف أيضا والذي له مذاق فريد وطعم خاص هذا العام، بعدما اقترب تحقق النصر للشعب السوري على الحكام الظالمين، وبمعاونة ونصرة ودعاء المسلمين من شعوب وحكام، وبدأت الجهود العملية للشعوب وللحكومات الإسلامية في إنقاذ المسلمين في بورما من المذابح العلنية على يد البوذيين القتلة، وأقبل الفلسطينيون بأعداد غفيرة لحماية المسجد الأقصى وإحياء سنة الاعتكاف، وبدأ المسلمون في عدة بلاد يشعرون بحدوث تغييرات حقيقية تصب في تقدم البلاد، فكل هذا جعل الفرح الحقيقي يعم بلاد المسلمين، وازدادت سعادتهم، وامتلئت نفوسهم بالأمل في مستقبل أفضل، ومواصلة العمل لتحقيق حياة كريمة.
وسرعان ما مر شهر رمضان الكريم، وجرت أيامه العظيمة، وتفلتت لحظاته الغالية من بين أيدينا، دون أن نشعر! ولكن المسلم الذي اجتهد في الصيام إيمانا واحتسابا، تجده قد شعر بحلاوته، وأحس بفوائده المنوعة يشتاق أن يكلل نجاحه في استمرار تذوق لذة الطاعة فيستمر بصيام تطوعي كصيام ستة أيام من شوال، وفيها تظهر رحمة الله بعباده أن يرشدهم لعبادات ينالوا بها الرحمات، ويتعرضوا فيها للنفحات التي قد لا يشقوا بعدها أبدا.
مرت ليالي رمضان كواحة فيحاء في أرض صحراء قاحلة؛ لجأت إليها نفوس الصائمين وأوت إليها أرواحهم المتعطشة للري والماء بعد طول ظمأ، فقامت أجسامهم الليل إيمانا واحتسابا، وسهرت للتهجد طلبا للمزيد من الرحمات، وتحريا لليلة القدر والتماسا للعفو والمغفرة في ساعات السحر حين يتنزل المولى سبحانه في وقت يستجاب فيه الدعاء، وتلبى فيه المطالب، وفي زمن طغيان المادة والانشغال بالأموال، والتسابق لمتع ولذات الحياة الدنيا، وجدنا إقبالا على الطاعات وتنافسا في الخيرات، وفرحنا بكثرة أعداد المتهجدين و المعتكفين، وسعدنا بانشغال الناس بالعبادات والصدقات، وكثر السؤال في أمور الدين، فندعو كل من ذاق حلاوة الإيمان، ولذة القيام والطاعة، وعلم أسرار ونتائج التهجد والدعاء وقت السحر أن يستمر بعد رمضان في التهجد والتعبد.
وكذلك من استطعم أثر رمضان في تغيير السلوكيات، وتحسن الأخلاقيات بعد التدريب والتهذيب في مدرسة رمضان، ومن شعر بحلاوة كتاب الله، وتلذذ ببقية الطاعات ونفض عن نفسه غبار المعاصي، وحررها من قيد الهوى وأسر الشهوات، وارتقى بروحه إلى بارئها فلا بد أنه شعر بالنشاط في الجسد، والقوة والحيوية في الجسم، والصفاء في الروح، والنقاء في القلب، فلا شك أنه سيستمر على هذه الأعمال الصالحة بعد رمضان، بل وسيتسابق إلى المزيد من الطاعات، ويتنافس في الكثير من الخيرات، ويداوم على العمل الصالح، فأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل.
لها أون لاين