حبيباتي وأخواتي في الله، لدينا نعمة أنعم الله بها علينا وللأسف هناك أناس كثر لا يستفيدون منها ويسلكون طريقا وعرا يشهدون فيه الويلات والعذاب المرير وكان الجدير بهم أن يصلوا الإستخارة ويفوضوا أمرهم إلى الله وهذا كفيل بأن يجنبهم هذه المعاناة، فأتعجب لمن تتزوج بدون إستخارة أو من تجري أطفال الأنابيب، أو تشتري بيتا أو أرضا أو سيارة بدون إستخارة فتقع في شر مستطير لم يكن في الحسبان وتتجرع مرارة سوء إختيارها وتقول بعد ذلك ياليتني صليت الإستخارة التي تكشف عن أمور غيبية يعلمها إلا الله وحده، فما أعظمها من نعمة توفر عليك إهدار المال وبذل المجهود والطاقة في شيء فيه شر عظيم ينتظرك، ونحن في غنى عن سلك هذا الطريق أصلا، فكيف لعاقل أن يضيع صلاة الإستخارة؟!!! ولأهمية هذا الموضوع نقلت لكن فوائد صلاة الإستخارة لعلها تكون سبب بأن تجنب الأخوات سلك طريق متعب ومرهق بدون فائدة، تكفي معاناتهن في هذه الحياة فلا نزود معاناتنا بأيدينا، أسأل الله أن يجعلها صدقة جارية لكل من ينصح بها، اللهم آمين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين أما بعد : مشروعية الإستخارة :
يشرع للمسلم قبل الإقدام على أمر من أموره من سفر و نحو ذلك ولم يظهر له فيه وجه الصواب أن يستخير الله تعالى و ذلك بأن يصلي ركعتين و يدعو بدعاء الإستخارة ، و ذلك ما ورد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السـورة مـن القرآن , يقـول : إذا هـمَّ أحدكم بالأمـر فليركع ركعتين مـن غير الفريضة ثـم ليقل ” اللهم إني أستخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك , وأسألك من فضلك العظيم , فإنك تقدر ولا أقـدر , وتعلم ولا أعلم , وأنت علام الغيوب , اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ” أو قال : عاجل أمري وآجله ” فأقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه , وإن كنت تعلم أنه هذا الأمر شرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري” أو قال : عاجل أمري وآجله ” فأصرفه عني واصرفني عنه , واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به , قال : ويسمي حاجته.1
قال النووي رحمه الله : ينبغي أن يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له , فلا ينبغي أن يعتمد على انشراح كان له فيه هوى قبل الاستخارة , بل ينبغي للمستخير ترك اختياره رأسا وإلا فلا يكون مستخيرا لله بل يكون مستخيراً لهواه وقد يكون غير صـادق في طلب الخيرة وفي التبري من العلم والقدرة وإثباتهما لله فإذا صدق في ذلك تبرأ من الحول والقوة ومن اختياره لنفسه .2
وهذا الحديث العظيم يدل على مشروعية الاستخارة . فمن فضل الله تعالى ورحمته بعباده أن شرع لهم هذا الدعاء، لكي يتوسلوا بربهم ويستغيثوا به في توجيه السير نحو الخير والنفع.
قال القرطبي رحمه الله: لا ينبغي لأحد أن يقدم على أمر من أمور الدنيا حتى يسأل الله الخيرة في ذلك، بأن يصلي ركعتين صلاة الاستخارة.3
ولقد فهم السلف الصالح هذا المعنى فكانوا يستخيرون ربهم في أمورهم كلها.
فعن أنس رضي الله عنه قال: لما انقضت عدّة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد: فاذكرها عليّ4 . قال زيد: فانطلقت فقلت: يا زينب أبشري أرسلني إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك فقالت: ما أنا صانعة شيئاً حتى أتسأمر ربي5 ، فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن. وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بغير أمر.6
قال النووي رحمه الله :وفيه -أي في الحديث- استحباب صلاة الاستخارة لمن هم بأمر، سواء كان ذلك الأمر ظاهر الخير أم لا….ولعلها استخارت لخوفها من تقصير في حقه صلى الله عليه وسلم .7
وقد أجاد من قال :
توكل على الرحمن في كل حاجة إذ ما يرد ذو العرش أمراً بعبده
وقد يهلك الإنسان من وجه حذره أردت فإن الله يقضي و يقدر
يصبه و ما للعبد ما يتخير وينجو بحمد الله من حيث يحذر8
والاستخارة هي البديل الشرعي عن التوجه إلى المنجمين والسحرة والكهنة الذين يزعمون معرفة الغيب .
قال ابن القيم رحمه الله : فعوض رسول الله أمته بهذا الدعاء عما كان عليه أهل الجاهلية من زجر الطير والاستقسام بالأزلام الذي نظيره هذه القرعة التي كان يفعلها إخوان المشركين يطلبون بها علم ما قسم لهم في الغيب… والمقصود أن الاستخارة توكل على الله وتفويض إليه واستقسام بقدرته وعلمه وحسن اختياره لعبده وهي من لوازم الرضا به ربا الذي لا يذوق طعم الإيمان من لم يكن كذلك وإن رضي بالمقدور بعدها فذلك علامة سعادته .9
محل دعاء الإستخارة :
وأما بالنسبة لمحل الدعاء المذكور في صلاة الاستخارة فيكون بعد الانتهاء من صلاة الركعتين وهو ظاهر في قوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر : فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل -أي الدعاء-.
قال الشوكاني رحمه الله: والحديث -أي حديث جابر- يدل على مشروعية صلاة الاستخارة والدعاء عقيبها، ولا أعلم في ذلك خلافا.10
وقال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: لما سئل عن موضع دعاء الاستخارة ومتى يكون قال: والدعاء فيها -أي في صلاة الاستخارة- يكون بعد السلام كما جاء بذلك الحديث الشريف.11
وقال شيخنا محمد بن عمر بازمول ـ حفظه الله ـ : محل الدعاء -دعاء الاستخارة- يكون بعد السلام لقوله عليه الصلاة والسلام: إذا هم أحدكم بالأمر؛ فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل…..، إذ ظاهره أنه بعد الركعتين؛ يعني بعد السلام.12
وأجاز بعض أهل العلم أن يكون الدعاء أثناء السجود في الصلاة قال الحافظ ابن حجر: : هو ظاهر في تأخير الدعاء عن الصلاة فلو دعا به في أثناء الصلاة احتمل الإجزاء ويحتمل الترتيب على تقديم الشروع في الصلاة قبل الدعاء فإن موطن الدعاء في الصلاة السجود أو التشهد .
وقال شيخ الإسلام ابن تيميةرحمه الله: يجوز الدعاء في صلاة الاستخارة وغيرها ،قبل السلام وبعده والدعاء قبل السلام أفضل فإن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر دعائه كان قبل السلام والمصلي قبل السلام لم ينصرف فهذا أحسن.13
وقال ابن أبي جمرة رحمه الله : الحكمة في تقديم الصلاة على الدعاء أن المراد بالاستخارة حصول الجمع بين خيري الدنيا والآخرة فيحتاج إلى قرع باب الملك ولا شيء لذلك أنجع ولا أنجح من الصلاة لما فيها من تعظيم الله والثناء عليه والافتقار إليه مآلاً وحالاً.14
فعل الواجبات وترك الموبقات لايستخار فيهما :
تكون الاستخارة في الأمور المباحة كالزواج والسفر المباح ونحو ذلك . وكذلك تكون الاستخارة في المندوبات إذا حصل للمرء بينها تعارض، كأن يحتار الرجل بين أمرين فيستخير الله الأصلح منهما. ولا تكون الاستخارة في فعل الواجبات وترك المحرمات والمكروهات.
قال العيني رحمه الله: فيه استحباب صلاة الاستخارة والدعاء المأثور بعدها في الأمور التي لا يدري العبد وجه الصواب فيها أما ما هو معروف خيره كالعبادات وصنائع المعروف فلا حاجة للاستخارة فيها نعم قديستخار في الإتيان بالعبادة في وقت مخصوص كالحج مثلا في هذه السنة لاحتمال عدوٍّ أو فتنة أو حصر عن الحج وكذلك يحسن أن يستخار في النهي عن المنكر كشخص متمرد عاتٍ يخشى بنهيه حصول ضرر عظيم عام أو خاص .15
وقال ابن أبي جمرة : : فإن الواجب والمستحب لا يستخار في فعلهما والحرام والمكروه لا يستخار في تركهما فانحصر الأمر في المباح وفي المستحب إذا تعارض منه أمران أيهما يبدأ به ويقتصر عليه.
وقال الحافظ -معلقا-: وتدخل الاستخارة فيما عدا ذلك في الواجب والمستحب المخير وفيما كان زمنه موسعا ويتناول العمومُ العظيمَ من الأمور والحقير فرب حقير يترتب عليه الأمر العظيم .16