الجوع العاطفي
من الأساليب الفعالة في تربية الحيوانات وترويضها أسلوب التجويع، والذي اتبعه كثير من البحاث والعلماء في تجاربهم المعملية. فقد طبقوها على الفئران والكلاب والقردة وغيرها، وحققت تلك الطريقة نتائج جميلة مثل تجربة بافلوف مع الكلب والذي خرج بمفهوم "الارتباط الكلاسيكي".
قد تعمل هذه الطريقة مع الإنسان المحتاج للطعام، المحتاج ليعيش وفقا لظروفه الخاصة، وهناك من يرفض ذلك ويفضل الموت على أن يذل، وقد قيل في الأمثال: "لا قيني ولا تغديني"، أي أن معاملتك في لقائي والترحيب بي أفضل عندي من طعامك الذي ستقدمه لي، فالترحيب الحقيقي يكفيني ولا حاجة لي بطعامك.
اذن الترحيب (أي المعاملة الطيبة التي تحمل مشاعر جميلة وتقدير واحترام وقد يكون فيها كذلك حب وود) هو العامل القوي بين الناس أثناء تعاملاتهم.
ممتاز، الآن لو اختصينا من الناس فئة الأزواج، فما هو قولكم في أهمية وجود "المشاعر" بين الزوجين؟
هل يمكن تطبيق التجويع بمنع تقديم المشاعر والعواطف لشريك الحياة؟
هل إن منع الزوج زوجته ستنساق إليه وستتعلق به أكثر وأكثر؟
هل إذا جوعت الزوجة زوجها عاطفيا سيحدث له إنجذاب إليها وسيهيم بها حباً؟
والله لن يكون هناك إلا الخراب الأسري والفساد الأخلاقي، ولذا عالج القرآن هذه المسألة بحكمة في حالة مشوز الزوجة وفق منهاج تام محكم.
أكبر خطأ أن يمنع شريك الحياة مشاعره تجاه الآخر ظناً منه أن في تجويعه فائدة وزيادة حب، ولكيلا يمل الطرف الآخر!
ليكن في علمك أن أهم عامل في تخزين الأحداث والمواقف في ذاكرة الإنسان وإعطاء لها معنى هو المشاعر والعواطف، فالموقف الذي لا يحمل مشاعر (إيجابية أو سلبية) فليس له قيمة عالية في التذكر أو في التأثير على حياة الإنسان المستقبلية.
المرأة الحكيمة هي التي تُغدق من حنانها وحبها ومشاعرها الجميلة على زوجها، واعلمي سيدتي أن الزوج لا ينسى صنيعك هذا حتى وإن كان سيء الأخلاق والطباع، فكم من إمرأةٍ حكيمة كانت وراء أسماء رجال عظماء.
إن فلسفة التجويع العاطفي غربية المنشأ، لا تصلح لمجتمعاتنا العربية والإسلامية. لقد ذكر على قناة فضائية قبل سنوات طبيب نفساني كبير في السن عربي الهوية غربي الفكر أن الزوجان إذا كبرى في العمر على كل واحد منهم النوم في غرفة مستقلة، فأين هذا من الوعي يا أصحاب الألباب؟ أين حاجة الإنسان في هذا العمر لأنيس وجليس ولمن يرعى شؤونه؟! أين مكان الود والرحمة؟! أين هذا من السنة النبوية؟!
سيدتي المرأة اعلمي تماماً أن مشاعرك وعواطفك مكانها الصحيح زوجك وأسرتك في المقام الأول، إياك اتباع تلك الفلسفة التي لا تأتي بخير، وتأتي بما لا تحبين وأنت أعلم بما أقصد.
ولك سيدي الرجل، اثني وامتدح وتغزل بزوجته ولا تكن صخراً جامداً لا تظهر عليه علامات الحياة. ماذا ستقول إذا قلت لك أن خلال العشرين السنة الماضية التي قدمت فيها استشارات أسرية أكثر من 90% من شكاوي السيدات قلة وشح مشاعر الزوج لزوجته!
اعلم أن المرأة كتلة مشاعر كلما غذيتها بمشاعر الحب والحنان كلما لانت لك وأعطتك ما تحب وتتمنى، فلا تحرم نفسك وأهلك هذا الخير، وتذكر قوله تعالى: (وجعل بينكم مودة ورحمة)(الروم:21).